تصميم يحيل على العمارة البيزنطية والزخرفة العثمانية شبيه إلى حدّ كبير بمعلم "آيا صوفيا" الشهير في اسطنبول.. تلك هي كنيسة "سانت اسبري" أو "الروح القدس" المنتصبة شرق العاصمة الفرنسية باريس، بشموخ عزّز التشابه الكبير بينها وبين دور العبادة التركي، حتى أنّ سكان المنطقة الباريسية أطلقوا عليها اسم "آيا صوفيا" الفرنسية.
تقع الكنيسة الفرنسية في الدائرة 12 بالعاصمة باريس.. طراز معماري لافت ومختلف عن بقية الكنائس المشيّدة في نفس الحقبة الزمنية. فهذا المبنى الذي تم افتتاحه في 1929، قبل أن يدرج ضمن لائحة "آثار" أو "المعالم التاريخية" للدولة الفرنسية منذ 1979، يتميّز بقبّته، والتي تعتبر من العناصر النادر وجودها في المعمار الأوروبي الغربي. القّبة يبلغ قطرها حوالي 22 مترا، فيما يناهز ارتفاعها الـ 33 مترا، شيّدت بطريقة تحاكي حدّ التماهي، القبة الكبيرة لمتحف "آيا صوفيا" باسطنبول، والتي يبلغ قطرها 31 مترا وارتفاعها 51.
سكان الدائرة 12 بباريس، والذين يرتادون، حتى اليوم، وبأعداد غفيرة، كنسية "سانت اسبري"، يدركون جيّدا، وعلى مرّ الأجيال، التشابه الكبير الذي يجمع بين معبدهم والمتحف الاسطنبولي، وذلك منذ افتتاح الكنيسة الفرنسية، بحسب أوليفييه بيل دوبويش، مسؤول جمعية "الفن والثقافة والإيمان" الفرنسية.
بيل دوبويش أشار إلى أنّ المهندس المعماري، بول تورنون، مصمّم "سانت اسبري"، كان يصرّ، خلال الفترة التي تلت تشييد الكنيسة، على أنّه "لم يقتبس" تصميم قبّة متحف آيا صوفيا التركية (والذي كان كاتدرائية سابقا قبل أن يحوّل إلى مسجد ومن ثم إالى متحف ديني عام 1923)، وإنّما "استوحى" منه الفكرة فحسب.
ومع ذلك، يقول، من جانبه، آلان ليروي- شومات، وهو مهندس معماري وعضو بجمعية داعمة للأنشطة الثقافية لأساقفة باريس، فإنّ الكنيسة سرعان ما حصلت على لقب "آيا صوفيا الصغرى".
"آيا صوفيا" الفرنسية أو الصغرى تفتح أبوابها، حاليا، للعموم، وتعدّ من أبرز أماكن العبادة في باريس.. تحفة معمارية تختزل أبعادا جمالية ورمزية لمبنى مشيّد بالكامل من الخرسانة، وهذا أيضا ما يميّزه عن بقية المعالم التاريخية الأخرى.. واجهة من الطوب وجدران تدوّن وتستعرض تفاصيل وتاريخ المسيحية منذ زمن الرسل إلى حدود القرن الـ 20.
بيل دوبويتش أضاف أيضا أنّ جدران الكنيسة كانت في الأصل مطلية باللون الأبيض، غير أنّ انسياب الزمن منحها إطلالة مائلة إلى الصفرة، لافتا إلى أنّ لونها الحالي يبرز مواطن التشابه الكبيرة مع اللون الداخلي لآيا صوفيا التركية.
القبّة، رمز "اللانهاية"، على حدّ تعبير مسؤول جمعية "الفن والثقافة والإيمان" الفرنسية، سجّلت عودتها إلى المعمار الأوروبي الغربي، وذلك عقب اجتياحها من قبل الفن القوطي (نوع من فنون العصور الوسطى الذي تطور في فرنسا وسط القرن الثاني عشر ميلادي)، لتصبح قبة "آيا صوفيا الباريسية"، والتي بنيت خلال 27 يوما فحسب، شاهدا على صراع الفنون المعمارية وتصالحها في آن.
ومع أنّ حصول الكنينسة الفرنسية على لقب "آيا صوفيا" يعتبر كافيا لحث السياح الأتراك على اكتشاف هذا المعلم الذي "ينافس" متحفهم الشهير، إلاّ أنّ بيل دوبويتش قال إنّ بعده عن الأماكن السياحية بالعاصمة باريس، جعله بعيدا أيضا عن السياح، ولذلك لم يشهد حتى الآن قدوم زوار أتراك، مضيفا: "تسعدنا زيارة الأتراك لكنيستنا، فأبوابها مفتوحة للجميع".
أما ليروي شومات، فقال، من جهته، إنّ زيارة السياح لهذه الكنيسة لا يزال أمرا غير دارج، غير أن ذلك لا ينفي، أن هذا المعبد سبق واستقبل مفوضية لأئمة فرنسيين أعربوا عن تطلّعهم إلى اكتشاف أوجه التشابه مع متحف آيا صوفيا باسطنبول.
ومن المنتظر أن ينظّم المسؤولون عن الكنيسة زيارات موجّهة للاتراك الذين يودّون الإطلاع على هذا المعلم المستوحى من المتحف التركي الحائز على إهتمام وإعجاب العالم بأسره، بحسب أعضاء الجمعية الفرنسية.