تقوم فكرة الزراعة البيولوجية على ضرورة عدم احتواء المنتجات الزراعية على أي بقايا للمواد المصنعة مثل الأسمدة والمبيدات الحشرية، وأيضا المنتجات المعدلة وراثيا، والتي تساهم في تكثيف الإنتاج، لكنها تضر بالصحة، واستبدالها بالسماد العضوي، وطريقة تناوب المحاصيل.
"هذه الزراعة تتم على طريقة الأجداد، أسموها الفلاحة العادية، ونسميها البيولوجية"، بهذه العبارات اختصر الفلاح المغربي نجيب بشيري، لوكالة لأناضول، معنى الزراعة البيولوجية التي قد يجهلها البعض رغم بساطتها.
بشيري، الذي يقيم في محافظة بركان شمال شرقي المغرب، روى قصته مع الزراعة البيولوجية، والتحديات التي تعترض هذا النمط الزراعي، الأقل مردودية ودخلاً ولكنه الأفضل من الناحية الصحية والبيئية.
وما عزز هذا الاختيار، خلفية بشيري، المتشبعة بحب الطبيعة، ترجمها بنشاطه البيئي طيلة عقود ضمن جمعية "البيئة والإنسان".
هذه الخلفية عبّدت له الطريق للمضي قُدماً في هذا المسار، وإقناع إخوته بعدم الانخراط في التيار الجارف للإنتاج الكثيف بالاعتماد على الأسمدة والأدوية الكيماوية.
ورغم أن الأرض التي تمتلكها العائلة، والتي تقدر مساحتها بنحو 80 هكتارا (الهكتار الواحد يساوي 10 آلاف متر مربع) يمكن أن تدر أرباحا كبيرة، بالزراعة التي تعتمد على الأسمدة والمبيدات الكيماوية، لكن نجيب وإخوته اختاروا الزراعة البيولوجية.
تنويع المحاصيل
يعتمد الإنتاج الفلاحي البيولوجي، على استخدام المواد العضوية الطبيعية الخالية من أية إضافات صناعية أو كيميائية، في جميع مراحل الإنتاج.
ويقول بشيري، إن "الإنتاج بهذه الطريقة يفضي إلى الحصول على منتج فلاحي طبيعي 100 بالمئة".
لكن السؤال الذي يطرح نفسه؛ هل يكفي اعتماد مواد طبيعية وعضوية للحصول على منتج بيولوجي؟
ويقدم بشيري وصفة أضحت معروفة لدى كل المزارعين البيولوجيين، وهي امتداد للنمط الزراعي الذي كان يتبعه السلف.
وزيادة على المواد العضوية، يعتمد النمط البيولوجي على التنويع في المزروعات، ولا يقتصر الأمر على منتج واحد، كما يحصل في المزارع الأخرى، التي تعتمد على نظام التحفيز بالأسمدة والمواد الصناعية والمبيدات.
"التنويع، إذا كان خيارا مفروضا عند السلف بفعل طبيعة الأرض المتسمة بتعدد الشركاء، وبالتالي تقلص المساحة المستغلة من قبل كل فلاح، فإن التنويع اليوم أثبت قدراته في خلق مناعة جماعية للمحاصيل"، وفق بشيري.
ويقول الفلاح المغربي إن "المنتجات تدافع عن بعضها البعض، وتمكن بعضها البعض من المواد العضوية الزائدة عن الحاجة، أو التي لا تحتاجها".
ويوافقه الرأي صديقه محمد بنعطا، المهندس الزراعي المتقاعد، الذي صادفته الأناضول في مزرعة بشيري.
مقاومة التغيرات المناخية
بشيري، يوضح أن "الإنتاج المتنوع يحفظ للأرض غناها وتنوعها البيولوجي".
بين الطماطم والفلفل الحلو والحار، والخرشوف الشوكي و الرمان والبطيخ الأحمر، عدّد بشيري، نحو 12 منتجاً فلاحياً، ينتجه بشكل متزامن لتحقيق ما يشبّهه بالمناعة الجماعية.
زيادة على ذلك، يرى أن النمط البيولوجي، كفيل بمقاومة التغيرات المناخية، من خلال نظام التحصين المتبع، عكس الزراعات الأخرى المعتمدة على ما يسميه بـ"الدوباج"، أو التحفيز.
عملية التحفيز التي تتم للأرض باستمرار بواسطة الأسمدة والمواد الصناعية والمبيدات، لضمان وفرة الإنتاج، تقضي في المقابل على "مناعتها الذاتية"، وعلى غناها، و تصبح في النهاية تربة فقيرة، غير قادرة على الصمود في وجه التغيرات المناخية، التي تلتهم الأنظمة الطبيعية الهشة.
تحول بطيء
رغم أن المملكة اهتمت بالفلاحة البيولوجية منذ التسعينات، إلا أن هذه السلسلة لم تنل حظها من الاهتمام الكافي، عكس الفلاحة الأخرى (غير العضوية) التي حظيت بدعم الدولة.
حيث أطلقت وزارة الفلاحة في 2008، مخططاً فلاحياً ضخماً من أجل تنمية الزراعة غير العضوية وتطوير قطاع الصادرات المرتبط بها، تحت اسم "مخطط المغرب الأخضر".
وبعد مضي نحو 10 سنوات، من انطلاق هذا المخطط ستبدأ الدولة بالاهتمام بالفلاحة البيولوجية.
وتشير معطيات وزارة الفلاحة إلى أنه في 2019، تضاعفت المساحات المخصصة للإنتاج البيولوجي 3 مرات، لتصل إلى 12 ألف هكتار، مقابل 4 ألاف هكتار في 2010.
وتطور حجم الإنتاج البيولوجي بنفس الوتيرة وفي نفس الفترة (2010-2019)، مرتفعا من 40 ألف إلى 120 ألف طن.
رغم ذلك تبقى هذه النتائج متواضعة، وهو ما دفع الدولة إلى التفكير في مضاعفة المساحات المزروعة والإنتاج.
وفي 4 مايو/ أيار الماضي، جرى التوقيع على 19 اتفاقية لتنمية سلاسل الإنتاج، على هامش المعرض الدولي للفلاحة بمدينة مكناس (وسط)، تحت إشراف رئيس الحكومة عزيز أخنوش.
وتطمح الدولة بموجب المخطط الجديد بلوغ 100 ألف هكتار من المساحات المزروعة بالنمط البيولوجي، و إنتاج 600 ألف طن سنويا من المنتجات الفلاحية البيولوجية في عام 2030.
وحتى تترجم الدولة التزاماتها على أرض الواقع وإعمال الخطة الجديدة، فإن الفلاح البيولوجي يكاد يتحمل لوحده كلفة الإنتاج، التي تبقى مرتفعة.
ويلفت بشيري، إلى أن "الفلاح البيولوجي، حتى قبل الخوض في حساب كلفة الإنتاج، المتعارف عليها من مواد عضوية و يد عاملة، هناك تكاليف مرتبطة بإثبات ما يمكن اعتباره الهوية البيولوجية".
وفي سبتمبر/ أيلول 2018، شرعت المملكة في تطبيق قانون الإنتاج البيولوجي للمنتوجات الفلاحية والمائية، بعد 5 سنوات من اعتماده من البرلمان.
مما يفرضه القانون على المنتجين، التوفر على شهادة المطابقة للمعايير المحددة، وهي عملية يقوم بها لفائدة بشيري، مكتب إيطالي متخصص، وتكلفه سنويا نحو 8 آلاف درهم (نحو 900 دولار).
وبحسب وزارة الفلاحة، من أجل المراقبة والإشهاد على المطابقة لمعايير الجودة للمنتجات البيولوجية، اعتمد قطاع الفلاحة هيئتين متخصصتين معتمدتين على الصعيد الدولي في مجال المراقبة والإشهاد على المطابقة للمعايير.
إذا كان السوق يحتكم لمبدأ العرض والطلب، فالمحاصيل البيولوجية لا تنضج إلا بعدما تكون السوق قد أغرقت بالمنتجات الأخرى، التي تساهم أكثر من وسيلة وتقنية ومادة كيماوية في إنضاجها قبل الأوان.
وقال الغلبزوري السكناوي، مدير شركة "بيو ماركت"، المتخصصة في تسويق المنتجات البيولوجية، للأناضول، إن "قطاع المنتجات البيولوجية يعرف نموا مطردا، لكن في المقابل يواجه تحديات عديدة".
أولى التحديات، حسب السكناوي، تكمن في ثقافة المستهلك، الذي يحتاج إلى "تحسيسه بأهمية استهلاك المنتوج البيولوجي، ووجاهة ذلك على المستوى الصحي والغذائي".
وأضاف، أن "التحدي الثاني يكمن في المساحات المحدودة، رغم المجهودات المبذولة لتوسيعها، وهو ما ينعكس على تكلفة الإنتاج، والتي تبقى نسبيا مرتفعة، وتنعكس على أسعار البيع للمستهلك الذي لا يتمكن من مجابهتها".
أما التحدي الثالث، وفق السكناوي، فيتمثل في "تكثيف الإنتاج وتوسيع قواعد ومنصات البيع، التي تبقى محدودة في البلاد".
ويرى أن "الحل قد يكمن في المزيد من التشريعات والقوانين التي تميز بين المنتجات العضوية و المنتجات غير العضوية في السوق".
وهو ما عبر عنه أيضا بشيري، بالقول، "يجب أن تخصص منصات خاصة بالمنتجات العضوية".