على مر الأزمان، كان الطيران قوة جاذبة عاطفياً للبشر، حيث أثارت فكرة الصعود للفضاء ومشاهدة الأرض من الجو اهتمام الناس دائماً، ومن نجح في ذلك وجد واحدة من أكثر الأعمال تكلفة في العالم.
وكانت رؤية ما وراء السماء مجرد حلم، ومع تقدم التكنولوجيا أصبح السفر إلى المجهول ممكناً، على الرغم من مشقته وتكلفته.
ويعتبر عمل رائد الفضاء جذاباً لأولئك الذين يحلمون بالسفر إلى ماوراء السماء واكتشاف مجاهيل الفضاء، إلا أنه ليس بتلك السهولة التي يمكن تصورها في إجابة طفل يرغب بأن يغدو رائد فضاء حين سؤاله "ماذا ستصبح في المستقبل؟".
فيتطلب العمل كرائد الفضاء عقلاً وجسماً قويين فضلاً عن تدريب عالي المستوى متعدد التخصصات، فوكالات الفضاء تختار بعد فحص آلاف الأشخاص المؤهلين الأفضل بينهم.
في الولايات المتحدة، اختار الجيش رواد الفضاء الأوائل عام 1959 من بين الأفراد العسكريين ذوي الخلفية الهندسية الذين لديهم خبرة في الطيران، فمن بين المؤهلات المطلوبة لكي تصبح رائد فضاء أن تكون إلى جانب الطيران والهندسة صاحب خبرة في التخصصات الأساسية وذا قدرة على تطبيقها.
وبالنظر إلى الشروط التي تطلبها مؤسسات مثل وكالة الطيران والفضاء الأمريكية "ناسا" ووكالة الفضاء الأوروبية "ESA"، يمكن القول أنه لابد أن يكون لدى المرشحين تعليم عال المستوى لا سيما في مجالات الهندسة أو علم الأحياء أو الفيزياء أو أنظمة الكمبيوتر أو الرياضيات أو الطب.
ويفضل أيضاً أن يكون المرشحون قد أكملوا دراستهم في مدارس الطيران ولديهم خبرة عملية في هذا المجال.
وتبحث وكالات الفضاء في روادها عن صفات القيادة والتصميم والعمل الجماعي والتعاون مع أعضاء الفريق الآخرين، والعمل تحت الضغط والتواصل القوي.
وبما أن أجسام رواد الفضاء تتعرض لقدر كبير من الضغوط بسبب ممارستهم الأنشطة البدنية الثقيلة أثناء الرحلات الفضائية، فمن الضروري أن يتمتعوا بصحة جيدة وقدرة بدنية عالية على التحمل.
وقال روديغر زايني، مدير وحدة تدريب رواد الفضاء في مركز رواد الفضاء الأوروبي بألمانيا، إن رواد الفضاء يجب أن يتمتعوا بتحمل الضغوط، والتركيز على الفريق، والتنسيق الجيد بين اليد والعين.
وأضاف زايني، في حديث لوكالة الأناضول: "الأشخاص الذين نبحث عنهم هم أولئك الذين أثبتوا مهاراتهم من خلال التعامل مع مواقف الحياة غير المتوقعة".
و من المثير للاهتمام حسب زايني، مقابلة أشخاص ذوي موهبة عالية المستوى.
كما يثير اهتمام زايني التعارف والتحدث ورؤية كيف يتصرف رواد الفضاء الجدد، الذين يتمتعون بمؤهلات رفيعة المستوى، وبينه وبينهم فارق كبير في السن.
وأضاف "قامت وكالة الفضاء الأوروبية باستقدام رواد فضاء جدد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، حيث مايزال 5 منهم قيد التدريب".
وأشار إلى أنهم في الشهر الثاني من البرنامج التدريبي، مضيفاً: "إذا كنت مدرباً فمن المدعاة للسعادة أن يوضع ما تقدمه موضع التقدير".
ولفت إلى أن رواد الفضاء بحاجة لأن يكون تواصلهم قويا، حيث سيجتمعون في كثير من الأحيان مع الجمهور.
كما يعتبر التحدث باللغة الإنجليزية بطلاقة والإلمام الجيد باللغة الروسية شرطا ضروريا.
كما أكد على أن "معرفة الثقافات الأمريكية والروسية واليابانية مهمة لإنشاء علاقات جيدة مع الشركاء الدوليين في محطة الفضاء الدولية".
عمليات الاختيار
تقوم لجنة اختيار رواد الفضاء التابعة لـ "ناسا"، والتي تتكون من رواد فضاء ذوي خبرة وعلى دراية بمتطلبات هذه المهنة، بمراجعة الطلبات وتقييم كفاءات كل مرشح، لتتم لاحقاً دعوة المرشحين ذوي الإمكانيات الأكثر لإجراء مقابلة في مركز جونسون للفضاء.
بعد ذلك، يجري استدعاء نصف الأشخاص الذين تمت مقابلتهم للمقابلة الثانية ويتم اختيار رواد الفضاء الجدد من هذه المجموعة.
تؤكد مديرة اختيار رواد الفضاء في "ناسا"، أبريل جوردان، أن الجانب الأكثر إثارة للاهتمام في عملية التصفية هو مقابلة أشخاص ذوي كفاءة عالية، وملاحظة ردود أفعال الناس، ومعرفة كيفية تعاملهم مع العملية.
بدوره لفت رائد الفضاء في وكالة "ناسا" إدوارد مايكل فينكي، الذي قضى 381 يوماً و15 ساعة و11 دقيقة في الفضاء، إلى أن الخطوة الأصعب في عملية التصفية هي الفحوصات الصحية.
وأشار إلى أن الأشخاص الذين سيتم إرسالهم إلى الفضاء، لن يتمكنوا من التقدم خطوة واحدة في هذه المهنة إذا لم يكونوا سليمين صحياً.
وذكر أنهم التقوا خلال المقابلات برواد فضاء ذوي خبرة، وحاولوا فهم شخصية المرشحين، وكيف سيتصرفون داخل فريق في الفضاء.
من جانبه قال رائد الفضاء المتقاعد من وكالة الفضاء اليابانية، يامازاكي ناوكو، "إن المرشحين لا يعرفون نوع الاختبارات في عملية التصفية، لذلك ليس بمقدورهم القيام بأي استعدادات".
وقبلت وكالة الفضاء الأوروبية 17 طلباً من أصل 22 ألفا و500.
ويتراوح الطول المطلوب لرواد الفضاء بين 150 و190 سنتيمتراً، ويكفي أن يكون وزن المرشحين طبيعياً وفق معايير منظمة الصحة العالمية، كما أن قدرتهم السمعية يجب أن تبلغ 25 ديسيبل أو أكثر لكل أذن.
قبلت وكالة الفضاء الأوروبية 17 طلبا فقط من أصل 22 ألفاً و500 تم التقدم بها للعمل كرائد فضاء في الفترة بين 2021-2022.