معدلات التضخم "تستنزف" دخول المصريين.. و155 مليار جنيه تفاجئ البنوك

ديلي صباح
القاهرة
نشر في 11.01.2023 16:29
آخر تحديث في 11.01.2023 16:49
الجنية المصري والدولار رويترز الجنية المصري والدولار (رويترز)

قبل ثلاثة أشهر، تقريباً، كان سعر طبق البيض (30 بيضة) في الأسواق المصرية، حوالي 55 جنيهاً أي ما يعادل 1.99 دولار أمريكي. لكن السعر قفز فجأة إلى 88 جنيهاً، حالياً، في معظم المناطق، وتجاوز سعره في الأحياء الراقية حاجز الـ100 جنيه، كمؤشر للعديد من السلع الغذائية الضرورية، التي تشهد زيادات متتالية في الأسعار، مؤخراً.

ويتوقع رئيس شعبة الدواجن بالغرفة التجارية المصرية، عبد العزيز السيد ارتفاع أسعار البيض، مجدداً، نتيجة أزمة الأعلاف الفترة الأخيرة، فضلاً عن زيادة مستلزمات الإنتاج، كون التكلفة الفعلية لطبق البيض لا تقل عن 100 جنيه داخل المزارع، أي قبل وصوله لتجار التجزئة، ثم للمنافذ، ومنها للمستهلكين.

ارتفاع أسعار المواد الغذائية، محلياً، انعكس على الوجبات الأكثر شعبية في مصر (الفول والطعمية، والكشري) التي باتت تشكل عبئاً إضافياً على كاهل العديد من الأسر، بعدما قفز معدل التضخم السنوي خلال شهر ديسمبر الماضي، من 18.7% إلى 21.9%، بحسب البيان الرسمي للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي).

موجة تضخم حادة

وفيما ربط خبراء اقتصاديون بين موجة التضخم المحلية في مصر ونظيراتها العالمية، فقد حددوا جملة أسباب أخرى، منها "تبني الحكومة المصرية سعر صرف مرن للجنيه أمام الدولار الأمريكي، مما أدى إلى مزيد من الضغوط على الشرائح الاجتماعية ذات الدخل المنخفض"، وسط توقعات بتراوح معدل التضخم بين 25% و27%، خلال الربع الأول من العام الجاري.

وأعاد بنك "جولدمان ساكس" الأمريكي، موجة التضخم الحادة في مصر إلى الآثار الناجمة عن خفض قيمة الجنيه، بعدما خفض البنك المركزي سعر الجنيه بنسبة 14.5% تقريبا أمام الدولار، في 27 أكتوبر الماضي، وسمح بانخفاضات تدريجية، في نوفمبر وديسمبر الماضيين، حتى وصل سعر صرف الجنيه أمام الدولار، الأربعاء، إلى 30 جنيها.

وتوقعت مصادر اقتصادية مطلعة أن "موجة التضخم الحالية سيكون لها تأثير كبير على اجتماع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري، في الثاني من شهر فبراير المقبل، ما قد يضطرها إلى رفع أسعار الفائدة، مجددا، بين 1 و2%، للحد من ارتفاع معدلات التضخم ومحاولة السيطرة على زيادة الأسعار".

رفع سعر الفائدة

وخلال الاجتماع الأخير للجنة (شهر ديسمبر الماضي) بادرت لجنة السياسات النقدية المصرية برفع سعر الفائدة 3%، فيما يجاهد البنك المركزي لامتصاص السيولة النقدية من الأسواق -تقليل معدلات الشراء- للسيطرة على الأسعار، وسط توقعات أخرى بتثبيت سعر الفائدة من لقياس تأثير زيادة الـ3% الأخيرة والشهادة مرتفعة العائد 25%، وتخفيف ضغط تكلفة الإقراض على القطاع الخاص.

وفوجئ المشهد الاقتصادي المصري بضخ أكثر من 155 مليار جنيه في شهادات الادخار الجديدة ذات العائد القياسي (25%) التي طرحها البنك الأهلي المصري وبنك مصر الأسبوع الماضي، لمدة عام واحد، بهدف جذب مدخرات من المواطنين.

من جهته يرى رئيس اتحاد بنوك مصر، المصرفي الشهير، محمد الأتربي، أن شهادات الـ25% يمكنها خفض التضخم إلى مستويات قياسية، وأنها تأتي ضمن استراتيجية أوسع لخفض مستويات التضخم إلى أقل من 10%، دون تحديد موعد لوقف إصدار الشهادات، gجذب المزيد من المودعين الذين لديهم أموال بالعملة المحلية، وعملات أجنبية.

طرح شهادات إدخارية

وتستهدف الشهادات الادخارية "مرتفعة العائد" سحب السيولة المالية الضخمة من الأسواق، وزيادة تحويلات المصريين العاملين بالخارج، مع زيادة جاذبية الجنيه المصري كأداة ادخار، فضلاً عن الحد من ظاهرة الدولرة (Dollarization) عندما تعتمد دولة ما على الدولار الأمريكي أو عملة دولة أجنبية أخرى رسمياً بدلاً مع عملتها الوطنية أو بالإضافة إليها.

لكن لجوء لجنة السياسات النقدية المصرية إلى رفع سعر الفائدة 1%، سيسهم في تحقيق "التضخم النزولي"، خاصة أن البنك المركزي أعلن عن هذا المستهدف صراحة (في تقريره الشهر الأخير) مؤكداً "استهداف متوسط تضخم نزولي لتحقيق استقرار الأسعار على المدى المتوسط، بنهاية 2026، بعد تجاوز معدل التضخم المستهدف السابق 7% بزيادة أو نقصان 2% خلال الربع الأخير من عام 2022".

ومنذ 21 مارس الماضي، انخفض سعر صرف الجنيه أمام الدولار ليستقر عند 30 جنيهاً، فيما السعر الموازي وفقا لمتوسط السعر اليومي أقرب إلى 35 جنيها للدولار (سعر الصرف المعمول به في سوق الذهب يبلغ نحو 33 جنيها للدولار) وسط تأكيدات بأن هذا الانخفاض يحفز الاستثمار الأجنبي المباشر واستثمارات المحافظ، مما يجعل الجنيه أقرب إلى قيمته العادلة.

انخفاض قيمة الجنيه

ويشكل انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار، زيادة على تكلفة المنتجات المستوردة، كما أن رفع سعر الفائدة ستكون له تبعات سلبية بسبب زيادة تكلفة الإقراض على القطاع الخاص، فيما يؤكد مختصون أن مؤثرات خارجية -الظروف الاقتصادية العالمية، واشتراطات صندوق النقد الدولي- تتطلب التوازن بين أسعار الفائدة ومعدلات التضخم بالزيادة أو النقصان.

وارتباطاً بهذه التطورات، واصل نشاط الأعمال في القطاع الخاص، غير النفطي، في مصر الانكماش في ديسمبر الماضي للشهر الـ25 على التوالي، لكن بوتيرة أبطأ من الأشهر السابقة، وفقا لمؤشر مديري المشتريات الصادر عن مؤسسة، ستاندرد أند بورز جلوبال، على خلفية تراجع سعر صرف الجنيه، والقيود المفروضة على الواردات، وزيادة معدلات التضخم.

وتعد هذه النسبة الأعلى للتضخم في مصر خلال الـ5 سنوات الماضية، حيث أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أمس الثلاثاء، أن قسم الطعام والمشروبات سجل ارتفاعا سنويا، بنسبة 37.9% على مستوى الجمهورية، في شهر ديسمبر، نتيجة ارتفاع أسعار الحبوب والخبز 58.3%، واللحوم والدواجن 35.5%.

بيان رسمي كاشف

البيان الرسمي للجهاز الحكومي، أكد "ارتفاع الأسماك والمأكولات البحرية 44.2%، والألبان والجبن والبيض 48.9%، والزيوت والدهون 21.8%، والفاكهة 15.7%، والخضروات 38.8%، والسكر والأغذية المرتبطة به 31%، والملابس والأحذية بنسبة 15.6%، الفترة المذكورة".

وكشف تقرير صادر عن البنك المركزي المصري، أن "المعدل السنوي للتضخم الأساسي ارتفع من 21.5% في شهر نوفمبر الماضي إلى 24.4% في ديسمبر 2022"، موضحاً (عبر البيان المنشور على موقعه الرسمي) أن مستهدف التضخم الجديد عند مستوي 7% بزيادة أو نقصان 2% في المتوسط خلال الربع الرابع من 2024، وعند 5% بزيادة أو نقصان 2% في المتوسط في الربع الرابع من 2026.

ووافق صندوق النقد الدولي (منتصف ديسمبر الماضي) على إقراض مصر 3 مليار دولار، مقابل التزام السياسة النقدية في مصر بإتباع سياسة انكماشية، تعتمد على رفع الفائدة لكبح التضخم وتبني سعر صرف مرن للجنيه مقابل باقي العملات الأجنبية، جذبا للاستثمارات غير المباشرة إلى مصر.

وثائق صندوق النقد

وكشفت الوثائق الرسمية لصندوق النقد الدولي عن تفاصيل برنامج التعاون مع الحكومة المصرية، حيث ستحصل مصر على شريحة ثانية من القرض (347 مليون دولار) في مارس المقبل، بعد صرف الشريحة الأولى في ديسمبر الماضي، كجزء من التمويل الإجمالي (3 مليارات دولار، خلال 48 شهرًا) وجذب تمويلات بقيمة 14 مليار دولار من شركاء دوليين، واتفاقيات لبيع أصول محلية، ومليار دولار من صندوق الاستدامة، التابع لصندوق النقد الدولي.

وتحتاج مصر لدعم مواردها الدولارية، لمواجهة ارتفاع تكلفة الاستيراد وتلبية احتياجاتها الرئيسية بعد ارتفاع أسعار الحبوب والنفط نتيجة الحرب الروسية- الأوكرانية، خاصة بعدما تسببت أزمات تفشي فيروس كورونا عالميا وسلاسل الإمداد (التوريد) في ارتفاع أسعار المواد الغذائية دوليا، إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق خلال العام الماضي (2022).

ونتج عن بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا (24 فبراير 2022) أزمات ضخمة في أسواق السلع الأساسية الدولية، وتأثرت مصر بشكل خاص من الحرب، باعتبارها من أكبر مستوردي للقمح عالميا (تحصل على 80% من وارداتها عادة من روسيا وأوكرانيا) وأدى ارتفاع أسعار القمح عالميا، وتعطل شحنات القطاع الخاص في الموانئ، نتيجة نقص العملات الأجنبية في السوق المحلية إلى ضغوط كبيرة على ميزان المدفوعات.

محاولة للتدخل السريع

وحاولت الحكومة التدخل السريع، عبر تعزيز قدرات تخزين السلع الأساسية، كما منحت عقود بـ4 مليارات جنيه لشركات محلية كبرى لبناء أربعة مستودعات لتخزين الحبوب والسلع الأساسية الأخرى (خاصة زيت الطعام)، فيما أصدر رئيس الحكومة، مصطفى مدبولي، توجيهات بضرورة الإفراج عن البضائع المتراكمة بالموانئ، وتكثيف العمل على تقليص زمن الإفراج لمختلف الشحنات الموجودة بالموانئ، لاسيما السلع الاستراتيجية، والمواد الغذائية، بهدف تأمين المخزون المحلي من السلع، مع إلغاء الاعتمادات المستندية الإلزامية.

وفي سياق التحركات نفسها، أعلن البنك المركزي المصري عن إلغاء شرط استخدام الاعتمادات المستندية لتمويل الواردات في محاولة لحل أزمة الواردات المتراكمة في الموانئ منذ فترة طويلة، وقال البنك المركزي إن المستوردين يمكنهم استخدام مستندات التحصيل في عمليات الاستيراد، ليلغي القرار الذي اتُخذ في فبراير للحد من التدفقات الخارجة من العملات الأجنبية التي سببتها الحرب في أوكرانيا.

وجرى الإفراج عن بضائع تبلغ قيمتها نحو 1.24 مليار دولار، مؤخراً، ليصل إجمالي حجم البضائع المفرج عنها إلى 6 مليارات دولار، لكن لم يكشف عن حجم السلع المتبقية في الموانئ، فيما أعلنت الحكومة أن قيمة السلع العالقة بلغت 9.5 مليار دولار في 25 ديسمبر.

مساعدة حكومية للمستوردين

وفي وقت سابق، أدى النقص في العملات الأجنبية إلى صعوبة وصول المستوردين إلى خطابات الاعتماد المستندية، كما حد أيضا من قدرتهم على إدخال السلع والمواد الخام إلى البلاد، ما أدى إلى نقص السلع الصناعية والاستهلاكية والاضطراب الاقتصادي وارتفاع التضخم، لذا وافقت الحكومة على الإلغاء التدريجي للاعتمادات المستندية.

وأظهر تقرير لخبراء صندوق النقد الدولي التزام مصر بمرونة العملة، وإعطاء دور أكبر للقطاع الخاص، وإصلاحات نقدية ومالية»، فيما شملت تعهدات الحكومة المصرية للصندوق «إبطاء وتيرة الاستثمار في المشروعات العامة، بما في ذلك المشروعات القومية، للحد من التضخم والحفاظ على العملة الأجنبية، دون تحديد المشروعات التي ستخضع لذلك.

ووفق "خطاب النوايا" الموجه من الحكومة المصرية لصندوق النقد ستسمح القاهرة بزيادة أسعار معظم منتجات الوقود، وعدم التدخل في أسواق العملة الأجنبية، إلا في حالات التقلب الشديد، والتخلي عن معظم برامج الإقراض المدعوم.

وبحسب وثائق الصندوق سيتم التخلص التدريجي من إعفاءات‪ الشركات في المناطق الحرة، وإدخال ضريبة الاستقطاع من المنبع على الديون الخارجية طويلة الأجل، وضرائب الأرباح الرأسمالية على الشركات المدرجة، وإصلاح ضريبة الممتلكات.

اتفاق مصري محدد

وبموجب الاتفاق بين مصر والصندوق سيتم تبسيط ضريبة القيمة المضافة من خلال إخضاع جميع السلع -باستثناء المواد الغذائية الأساسية- لضريبة القيمة المضافة القياسية، مع هيكلة معدلات الصرف حسب الحاجة، وزيادة رسوم الترخيص السنوية للسيارات بنسبة 1% من قيمة السيارة، مع إنفاق إضافي على الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، لا سيما توسيع نطاق برنامج، تكافل وكرامة -الدعم النقدي للفقراء- بحيث يشمل 5 ملايين أسرة بحلول نهاية يناير 2023، وتخصيص 153 مليار جنيه للإنفاق الاجتماعي خلال السنة المالية الجديدة.

وسيقدم صندوق النقد الدولي لمصر حولي 700 مليون دولار خلال ما تبقى من السنة المالية الحالية، ويغطي البنك الدولي 1.1 مليار دولار من فجوة التمويل المتبقية (5.04 مليار دولار) هذا العام، ويخصص البنك الآسيوي للاستثمار 400 مليون دولار للنية التحتية، مع تخصيص البنك الإفريقي للتنمية 300 مليون دولار، وصندوق النقد العربي 300 مليون دولار، وبنك التنمية الصيني مليار دولار، وستغطي مبيعات أصول عامة مصرية ملياري دولار، مع بقاء الودائع الخليجية (28 مليار دولار) في البنك المركزي، حتى عام 2026.

عمليات دمج واستحواذ

وتشير توقعات اقتصادية إلى "انتعاش عمليات الدمج والاستحواذ في النصف الثاني من عام 2023" (بحسب جولدمان ساكس) بعدما انخفضت عمليات الاندماج والاستحواذ، عالميا بنسبة 36% على أساس سنوي إلى 3.78 تريليون دولار في عام 2022، بسبب تقلبات الأسواق وارتفاع تكاليف الاقتراض.

وخصصت الحكومة المصرية مليارات الدولارات للتنمية الشاملة، خلال السنوات الـ8 الماضية، لاستصلاح أكثر من 3 مليون فدان، وبناء 41 مدينة سكنية، ورفع كفاءة البنية التحتية وقطاع الخدمات العامة، والاستثمار في الطاقة النووية، وسط توقعات من صندوق النقد الدولي بارتفاع معدل نمو الاقتصاد المصري إلى 5.9% خلال العامين 2025- 2026.

وتوقع صندوق النقد الدولي (في تقريره الأخير) تراجع التضخم الأساسي إلى 7% في السنة المالية 2024- 2025، وأن تسجل موازنة الدولة فائضا بنسبة 2.1% من إجمالي الناتج المحلي، مشيداً بالمرونة التي أظهرتها مصر في مواجهة تفشي فيروس كورونا، عالمياً، واستقرار سعر الصرف، وتحويلات المصريين من الخارج، وانتعاش قطاع السياحة، فضلا عن خطط الحكومة للحماية الاجتماعية والأمن الغذائي.

تصفية أصول مصرية

وأكد الصندوق أنه "يدعم خطة طموحة لتصفية الاستثمارات التابعة للدولة في إطار البرنامج، كجزء من استراتيجية الحد من تأثير الدولة في النشاط الاقتصادي، وسيتم إدراج الشركات المملوكة للدولة في البورصة المصرية مع عرض حصصًا في صندوق ما قبل الطروحات التابع للصندوق السيادي المصري، الذي يسعى إلى تحويل الأصول المملوكة للدولة إلى نقود".

وتوضح وثائق صندوق النقد الدولي أنه "تم بالفعل تحديد مجموعة أولية من الشركات بهدف جمع 2.5 مليار دولار في المرحلة الأولى من مبيعات حصص ما قبل الاكتتاب بحلول يونيو 2023، وسيتم إيداع عائدات مبيعات الأصول المملوكة لمصر وكذلك المبيعات المباشرة للأصول المملوكة للدولة إلى صناديق الثروة السيادية الإقليمية، في حساب مخصص لدى البنك المركزي المصري".

وأشادت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر، إيفانا هولار، بالجهود والإصلاحات المصرية، وسط توقعات من الصندوق بارتفاع إجمالي الاحتياطات الدولية من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري إلى نحو 80 مليار دولار خلال 5 سنوات مالية، وأن الاحتياطات الأجنبية لمصر قد ترتفع بنهاية العام المالي الجاري إلى 37.1 مليار دولار، مقابل 31.5 مليار دولار في يونيو الماضي.

احتياطي 47.2 مليار دولار

ووفقا لتقديرات الصندوق، سيصل الاحتياطي الأجنبي إلى 47.2 مليار دولار بنهاية 2023-2024، ثم 51.4 مليار دولار بنهاية يونيو 2025، ثم 63.9 مليار دولار في يونيو 2026 على أن يرتفع إلى 77.8 مليار دولار بنهاية يونيو 2027 ثم 79.9 مليار دولار بنهاية يونيو 2028.

والاحتياطي الأجنبي، هو مجموعة الأصول الأجنبية التي يمتلكها البنك المركزي، والتي تتضمن ذهبا وعملات أجنبية واحتياطيات لدى صندوق النقد الدولي واستثمارات دولية، ويستهدف توفير السيولة اللازمة من العملات الأجنبية لتغطية وتأمين واردات البلاد لعدد من الشهور لا يقل عادة عن 3 أشهر.

وكانت مصر أحد أكثر البلدان جذبا لتجارة الفائدة في العالم (الأموال الساخنة) قبل خروج مبالغ مالية ضخمة منها، العام الماضي، بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، عالميا، وارتفاع التضخم، وأدى خروج مستثمري تجارة الفائدة إلى تأكيد الحكومة على أهمية إعطاء الأولوية للاستثمار الأجنبي المباشر والتصدير وليس للأموال الساخنة.

وتفضل الصناديق العالمية (الاستثمار غير المباشر في أذون الخزانة) الاستثمار في الملاذات الآمنة (لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب قوة الدولار) على عكس الاستثمار في الأسواق الناشئة، نتيجة ارتفاع المخاطر وحالة عدم اليقين، لدرجة أن الحرب الروسية- الأوكرانية تسببت في خروج استثمارات أجنبية غير المباشرة من مصر، بقيمة 22 مليار دولار، بحسب بيان رسمي للحكومة المصرية.

خفض الدَّيْن الحكومي

وقال تقرير صادر عن الحكومة المصرية، في وقت سابق، إن حزمة الدعم المالي الجديدة، التي وافق صندوق النقد الدولي على تقديمها لمصر بقيمة 3 مليارات دولار، تهدف إلى خفض الدَّيْن الحكومي إلى أقل من 80% من الناتج المحلى الإجمالي على المدى المتوسط، وأن البرنامج الجديد يهدف إلى تعزيز شبكة الحماية الاجتماعية للمواطنين.

وحاول الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، التقليل من تداعيات أزمة التضخم، قائلا (في افتتاح مشروعات قومية، مؤخرا) "أطمئنكم على الأوضاع الداخلية للبلاد.. نتعامل مع كل الأزمات، الداخلية والخارجية.. حريصون على عدم تأثر المواطنين قدر الإمكان بما يحدث.. السلع الأساسية متوفرة، رغم مشكلات سلاسل التوريد وأزمات الطاقة، عالميا".

وأضاف الرئيس المصري: "الحكومة تبذل قصارى جهدها للحد من ارتفاع الأسعار.. أقول لكل المصريين، نحن كمسؤولين نشعر بكم.. رفعنا الحد الأدنى للقطاع الحكومي -3000 جنيه شهريا/ 108.42 دولار أمريكي.. لن نستطيع إلزام القطاع الخاص بما هو فوق طاقته، في ظل هذه الظروف".

زيادة أجور حكومية وخاصة

وفي سياق الإنقاذ السريع، أقرت الحكومة زيادة الحد الأدنى لأجور العاملين بالقطاع العام، مع زيادة أجور العاملين بالقطاع الخاص بنسبة 12.5% استجابة لارتفاع التضخم، وأعلنت وزارة التخطيط (في بيان رسمي) أنه على شركات القطاع الخاص دفع الرواتب بحد أدنى 2700 جنيه شهريا (97.58 دولار أمريكي) منذ بداية العام الجاري، ضمن سلسلة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية لتخفيف تأثير الأزمة الاقتصادية، مع توسيع مظلة برنامج تكافل وكرامة، والإبقاء على أسعار الكهرباء المنزلية دون زيادة، حتى الآن.

ومنذ بداية الشهر الجاري، بدأت الشركات الحكومية بيع السلع المخفضة للمصريين، فيما بادرت القوات المسلحة المصرية بتوزيع أكثر من 3 مليون عبوة غذائية (سلة سلع أساسية) بنصف الثمن.

يأتي هذا فيما أعلنت الحكومة المصرية عن ضوابط جديدة لترشيد الإنفاق في موازنة العام المالي الحالي، في محاولة للحفاظ على العملة الأجنبية، ووجه رئيس الحكومة، د. مصطفى مدبولي، بترشيد الإنفاق الداخلي حتى نهاية العام المالي الجاري (مستثنيا بعض الجهات والوزارات الحيوية/ وزارات الصحة والداخلية والدفاع والخارجية، الجهات المسئولة عن تأمين إمدادات الغذاء والطاقة).

في السياق نفسه، تم تأجيل المشروعات القومية، التي لم تدخل حيز التنفيذ بعد، ولها مكون دولاري، مع تأجيل أنشطة مثل أعمال السفر للخارج والأنشطة الترفيهية وحضور المؤتمرات والحفلات، والمنح والبرامج التدريبية ومكافآت التدريب والمنح الدراسية في الداخل والخارج، حتى نهاية العام المالي (2022- 2023، الذي تصل ميزانيته لـ2.07 تريليون جنيه) في يونيو المقبل.

حسم وثيقة ملكية الدولة

وضمن الإصلاحات الاقتصادية، صادق الرئيس عبد الفتاح السيسي على وثيقة ملكية الدولة التي تضع خارطة طريق للحد من دور الدولة في الاقتصاد، ومضاعفة دور القطاع الخاص في الاقتصاد إلى 65%، وجذب 40 مليار دولار من الاستثمارات الخاصة بحلول عام 2026.

وبموجب الوثيقة، ستتخارج الحكومة المصرية من 62 قطاعا، مع تقليص مشاركتها تدريجيا في 56 قطاعا، وتعزيز دورها في 76 قطاعا أخرى، خلال الـ5 سنوات المقبلة، وستعمل الدولة على زيادة مشاركتها في استخراج النفط والغاز وتكريره، وشبكات الكهرباء، والموانئ الجافة، والتعليم الأساسي، مع التخارج من بعض أنشطة الوساطة المالية، لا سيما التأمين التجاري وتجارة الجملة بين القطاعات، ويعمل صندوق مصر السيادي على خطة لتسويق أكثر من 40 مشروعا بقيمة 140 مليار جنيه.

ويترقب محللون اقتصاديون نتائج التحركات والجهود المصرية في ضوء الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ومدى تأثيره على استقرار العملة المحلية (الجنيه) وتحسن سيولة الدولار في البنوك، وذلك بعد حزمة الإجراءات الضرورية التي اتخذتها الحكومة لتحريك السوق وتضييق الخناق على السوق الموازية وهو أمر حتمي لاستعادة إيقاع النشاط الاقتصادي.

تباطؤ نمو الأسواق الناشئة

ويتوقع خبراء اقتصاد تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي في الأسواق الناشئة (باستثناء الصين) في عام 2023 إذ خفض الانكماش الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الطلب المتزايد في الشرق واستمرت الاقتصادات في الشعور بتأثير أسعار الفائدة المرتفعة والتداعيات غير المباشرة للحرب في أوكرانيا.

سيظل التضخم مشكلة في الكثير من الاقتصادات الناشئة خلال العام الجاري (2023) ووفق جيه بي مورجان من المتوقع أن يظل التضخم مشكلة للبنوك المركزية في نصف الأسواق الناشئة الرئيسية تقريبا، وبعض البنوك المركزية في الأسواق الناشئة قد تبدأ تخفيف سياساتها النقدية العام المقبل لكن يبدو أن معظمها ستتجه إلى إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول.

وتعرض الاقتصاد المصري ضمن الأسواق الناشئة، عالميا، لعراقيل عدة خلال العام الماضي، لاسيما تشديد الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لسياساته النقدية وصدمات التضخم وارتفاع الأسعار، مما تسبب في مشاكل للعملات المحلية وخسائر في الأسهم والسندات، لكن مصر لم تتخلف عن فوائد سداد ديونها الخارجية (25 مليار دولار).

اجتماع مهم في فبراير

لكن مصادر مطلعة قالت إن إقدام البنك المركزي المصري على رفع سعر الفائدة من 1 إلى 2% خلال اجتماع مطلع فبراير القادم سيكون معنويا فقط ولا يحقق جدوى في المدى القريب مع استمرار الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) في رفع الفائدة على الدولار، ما يقلل من شهية الصناديق العالمية للعودة للاستثمار في الجنيه، مؤقتا، رغم أنه من غير المرجح أن تقوم البنوك المركزية، بتخفيضات سريعة لأسعار الفائدة في فترات الركود التي صمموها لخفض التضخم إلى مستهدفات السياسة.

ولجأ البنك الفيدرالي الأمريكي إلى رفع سعر القائدة 7 مرات متتالية، أخرها رفع الفائدة بنسبة 0.5%، حيث سجل سعر الفائدة على الدولار ما بين 4% إلى 4.5%، لأول مرة منذ عقود، وسط توقعات بالاتجاه للمزيد من الرفع خلال العام الجاري لكبح التضخم المرتفع في أمريكا لأول مرة من 40 عاما.

لكن الارتفاعات المقبلة في أسعار الفائدة (بحسب محضر اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، لشهر ديسمبر) قد تكون محدودة مستقبلا من أجل تقليل مخاطر حدوث ركود، ومع ذلك فإن اللجنة لن تتردد في مواصلة رفع أسعار الفائدة في محاولة لإعادة معدل التضخم إلى هدفهم البالغ 2%، على الرغم من أنهم قد يختارون ارتفاعات أقل نسبيا بمقدار 25 نقطة أساس لتخفيف الآثار السلبية.

دراسة برلمانية تحدد الحل

يأتي هذا فيما حددت دراسة برلمانية مصرية توصيات مهمة للنهوض بالاقتصاد المصري (وضع استراتيجية لتحديد نوع الاستثمار الأجنبي، تحديد خريطة استثمارية تعتمد على ميزات تنافسية مصرية، التركيز على احتياجات المستثمر الأجنبي عبر استطلاع كبار مسئولي الشركات الأجنبية وغيرهم.. الشروع الفوري في إصلاحات اقتصادية في ضوء مدركات الفساد، وسهولة الأعمال، والابتكار).

وأوضحت الدراسة (التي أعدها البرلماني، ياسر زكى وكيل لجنة الشئون المالية والاقتصادي بمجلس الشيوخ)، ضرورة تسريع وتيرة خدمات الحكومة الإلكترونية الجاذبة للاستثمار، إسناد مهمة الترويج للاستثمار ومتابعة مشكلاته لهيئة عليا تابعة إداريا لرئاسة الجمهورية، تنمية مهارات موظفي هيئات الترويج للاستثمار، تفعيل دور جديد السفارات المصرية بالخارج - 123 سفارة - لعرض الفرص الواعدة في مصر، استضافة المعارض والمؤتمرات الإقليمية والدولية بشكل دوري، والسعى لخلق شراكات اقتصادية دولية جديدة، لتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر.

ونبهت الدراسة البرلمانية إلى أهمية "رفع كفاءة وإنتاجية العمالة المدرية، عبر التوسع فى المدارس المهنية المدعومة بخبرات دولية، إنشاء منصة بيانات موحدة للمستثمرين لعرض أهم النتائج الاقتصادية بشكل دوري، إبرام اتفاقيات لحماية وتشجيع المستثمرين من المخاطر غير التجارية -التأميم والمصادرة والحجز القضائي والتجميد- التأكيد على تحويل رياح والعائدات أخرى".