يستمر الخلاف بين تركيا واليونان ويزداد تعمقاً مع تصاعد التوترات التي لا تعد جديدة بطبيعتها، بالرغم من أن كلاهما عضواً في الناتو.
وتدّعي اليونان أن لديها حقاً تلقائياً بالتنقيب والحفر وأنها الفاعل الرئيسي شرق المتوسط، بفضل العديد من الجزر التابعة لها في المنطقة. بينما تعترض تركيا على هذا الادعاء نظراً لامتلاكها أطول شواطئ في شرق المتوسط وبحر إيجه.
فأثينا لا تريد حرمان أنقرة من حقوقها فحسب بل وتطالب تركيا بحقوق لها مزعومة تحت المياه المحيطة بها.
ولا يمكن لأنقرة القبول بمطالبات اليونان الإقليمية التي لا تراعي حقوق الدولة الجارة، والتي أورثت شعوراً تركياً مفهوماً بالعزل والإقصاء. ومما يزيد القضية تعقيداً، مشاركة العديد من القوى الدولية الطامعة في الحصول على حصتها من الطاقة. إلى جانب كون تركيا عضواً في الناتو وليست عضواً في الاتحاد الأوروبي، في حين أن الإدارة القبرصية الرومية عضواً في الاتحاد الأوروبي وليست عضواً في الناتو.
من ناحية أخرى، أظهرت فرنسا انحيازاً غير عادل لليونان، لأن حكومة إيمانويل ماكرون غاضبة من السياسة التركية في ليبيا. وقامت باريس مؤخراً بإرسال طائرات مقاتلة وسفناً حربية إلى المنطقة، مما أدى إلى تفاقم الأزمة بين الجارتين. كما أعلنت اليونان بتشجيع ودعم فرنسي، عن إجراء استفزازي للغاية من خلال مدّ مياهها الإقليمية إلى 12 ميلاً بحرياً.
ومن الواضح أن الأزمة تزداد سوءاً مع عجز الاتحاد الأوروبي والناتو عن حلها، في حين يواجه العالم عدداً من الأزمات الخطيرة مثل جائحة كوفيد-19، والحرب في سوريا والاضطرابات في ليبيا.
ولدى تركيا أسبابها المفهومة والمنطقية إذ تشعر بالعزل والإقصاء، وهي اللاعبة القوية التي تمتلك القدرة على البحث عن موارد الطاقة الخاصة بها، وقد أعلنت مؤخراً أنها عثرت على احتياطي غاز جديد في البحر الأسود.
وأصبحت المشكلة غير قابلة للحل بسبب تحيز الجهات الفاعلة الدولية ووقوفها الغير عادل إلى جانب اليونان صاحبة الموقف العدائي.
ويمثل تولي ألمانيا الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي فرصة لحل هذه الأزمة، نظراً لمساعي برلين لجمع الأطراف المتنازعة حول طاولة المفاوضات، لكن التوصل إلى حلٍ عادلٍ لا يبدو ممكناً حالياً بسبب مطالب اليونان المتطرفة. ويجب على أثينا أن تتخذ موقفاً أكثر عقلانية، كما يجب على كل من الإدارة القبرصية الرومية واليونان التوقف عن استخدام عضويتهما في الاتحاد الأوروبي لتقديم مطالبات لا نهاية لها.
ولنتذكر جميعاً أن تركيا لا تزال دولة مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي أيضاً.
ومن وجهة نظري كصحفي دافع طويلاً عن عضوية تركيا وحصتها من الاتحاد الأوروبي، أعتقد أن لا غنى لمصالح تركيا والاتحاد الأوروبي كلاهما من انضمام تركيا إلى الاتحاد. لذلك، ينبغي لبروكسل أن تخلق التوازن على أساس العدالة بدل أن تنفّر أنقرة وتماطل في انضمامها بسبب استفزازات الإدارة القبرصية الرومية.
إن الموقع المتجاور لليونان وتركيا يجعلهما مترابطان ويفرض عليهما العيش المشترك سواء في سلام أو في أزمة. وأعتقد أن السلام هو الخيار الأفضل لكليهما.
ولا تعبر المواقف المعارضة للرئيس رجب طيب أردوغان عن الموقف الحكومي الرسمي، بل هي مواقف وتحليلات خاطئة لأن السياسة التركية اشترك في صياغتها العديد من الفاعلين السياسيين قبل الحكومة الحالية.