لا يزال العالم العربي منقسماً إلى حد كبير منذ ظهور الشرق الأوسط الحديث بعد الحرب العالمية الأولى. وكان المستعمرون البريطانيون قد وعدوا العرب بإقامة دولة خاصة بهم مقابل تقديم الدعم لهم في حربهم ضد العثمانيين. لكنهم لم يفوا بوعدهم، ومهدوا الطريق لتفتيت العالم العربي. وقُسّمت الأمة العربية الواحدة إلى 22 دولة. وفي أعقاب مبدأ "فرق تسد" الاستعماري، بذلت الدول الغربية قصارى جهدها لإبقاء الأمة العربية مجزأة.
وطوال النصف الثاني من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت القضية الفلسطينية المصدر الرئيسي للوحدة العربية، وكذلك لوحدة المسلمين في جميع أنحاء العالم. وبعد حركات التمرد والثورات العربية، دعمت الأنظمة العربية المؤيدة للوضع الراهن المشاريع الأحادية الجانب لإسرائيل وداعميها الغربيين، مثل صفقة القرن، وذلك من أجل القضاء على أي أمل في إنشاء دولة فلسطينية في الأراضي الفلسطينية.
واعتاد القادة العرب على مر السنوات، استغلال القضية الفلسطينية للحصول على الشرعية من شعوبهم. وذهب البعض الآخر مثل الملك فيصل ملك المملكة العربية السعودية إلى أبعد من ذلك واتبع سياسة قوية مؤيدة للفلسطينيين. بل على العكس من ذلك، فقد أصبحوا اليوم يستخدمون القضية الفلسطينية في سياساتهم الخارجية. ولم تكتف معظم الأنظمة العربية باللا مبالاة بالفظائع الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة فحسب، بل تقدم أيضاً دعماً غير مباشر للحفاظ على المعاناة الفلسطينية الحالية.
فيصل السعودي
حكم الملك السابق فيصل بن عبد العزيز آل سعود المملكة العربية السعودية بين عامي 1964 و1975. وبالرغم من أنه معروف عموماً بآرائه المحافظة وكفاحه ضد الأيديولوجيات العلمانية بما في ذلك الشيوعية في العالم العربي، إلا أن الملك فيصل نجح في تنفيذ سياسة التحديث والإصلاح في جميع أنحاء العالم خلال ولايته. وكجزء من برنامج التحديث، حاول إضفاء الطابع المؤسسي على هيكل الدولة السعودية، بما في ذلك البيروقراطية. كما حاول الحد من سلطة المسؤولين الدينيين الإسلاميين، وبالتالي القضاء على الازدواجية التقليدية في إدارة الدولة.
وكان الملك فيصل معروفاً بمنظوره الإسلامي الشامل. وقد حاول تحقيق اتحاد سياسي بين الشعوب المسلمة، فأنشأ رابطة العالم الإسلامي عام 1962 من أجل الترويج لـ "رسائل الإسلام الحقيقية" والقيم الإسلامية العالمية في جميع أنحاء العالم. وهو من ناحية، حاول تحسين علاقاتها مع إيران الشيعية، ومن ناحية أخرى، حاول الترويج لسياسة أكثر شمولاً تجاه الطوائف السنية الأخرى. وفي نهاية المطاف، حاول حل كل القضايا التي تتعلق بالمسلمين في أي مكان في العالم.
وكجزء من نظرته العالمية الإسلامية، اتبع سياسة مؤيدة للفلسطينيين منذ سنواته الأولى. وبصفته مدافع عالمي عن الحقوق الفلسطينية، رفض فيصل تقسيم الأراضي الفلسطينية من قبل المملكة المتحدة عام 1939 ومن قبل الأمم المتحدة عام 1947. ووصف إنشاء الدولة الإسرائيلية بأنه مشروع تخريبي يدمر الاستقرار السياسي في العالم العربي. ولذلك رفض الاعتراف بإسرائيل ودعا الدول العربية إلى التوحد ضد إسرائيل ومؤيديها.
وكان احتلال القدس الشرقية نقطة تحول في حياة فيصل، لانه بعد الاحتلال كرس نفسه للقضية الفلسطينية. وأرسل دعماً عسكرياً واقتصادياً للدول العربية التي تحارب إسرائيل في حرب الأيام الستة عام 1967. وأرسل آلاف الجنود السعوديين إلى الأردن للقتال إلى جانب القوات العربية. وبالمثل، ساهم في إعادة البناء الاقتصادي للدول العربية المتحاربة.
لكن الملك فيصل المعروف بخطواته الكبيرة فيما يتعلق بفلسطين، اتخذ خطوتين من أهم الخطوات السياسية وأكثرها فعالية في تاريخ القضية الإسرائيلية الفلسطينية.
بادئ ذي بدء، قاد تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي، التي أصبحت الآن منظمة التعاون الإسلامي، بعد الهجوم المتعمد على المسجد الأقصى، أحد الأماكن المقدسة الثلاثة لدى المسلمين عام 1969، وعقد أول مؤتمر إسلامي في العام نفسه في قمة الرباط بالمغرب في سبتمبر/أيلول 1969 لبحث التطورات في فلسطين المحتلة. ودعت القمة الإسلامية، التي أنشأت منظمة التعاون الإسلامي، إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة. ومن خلال منظمة التعاون الإسلامي، باعتبارها منظمة تمثل الأمة الإسلامية والفلسطينيين، دعا فيصل جميع الدول والشعوب الإسلامية للدفاع عن القضية الفلسطينية.
ثانياً، احتج الملك فيصل على دعم الدول الغربية للعدوان الإسرائيلي على الدول العربية خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، وفرض حظراً على النفط. وكان الحظر النفطي هو القوة الأساسية وراء أزمة النفط العالمية عام 1973، والتي أدت إلى العديد من التغييرات الدراماتيكية في العالم الغربي. وبعد الحظر النفطي المفروض على الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وهولندا واليابان، ارتفع سعر النفط بنحو 300%. وأدى ارتفاع أسعار النفط إلى اندلاع الأزمة النفطية التي أدت إلى زيادة الإيرادات النفطية وتحقيق مكاسب مالية ساهمت في الازدهار الاقتصادي في المملكة.
جمود العالم العربي أمام الفظائع الإسرائيلية في غزة
ولا يوجد اليوم حاكم كاريزمي في العالم العربي يحل محل الملك فيصل يستطيع أن يتولى مسؤوليات الدفاع عن العالم العربي ضد التوسع الإسرائيلي والتدخلات الغربية. وبالرغم من انتهاكات جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية في قطاع غزة على يد قوات الأمن الإسرائيلية، لم يحاول أي زعيم عربي اتخاذ تدابير ملموسة ولا اتخاذ مبادرة ضد الفظائع الإسرائيلية.
وفشلت الجامعة العربية، المنظمة الدولية العربية الوحيدة، في إصدار بيان نهائي بعد اجتماع قمتها الأخير في الرياض. ولذلك، قامت الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بدمج اجتماعَي القمة، وأصدرا بياناً نهائياً واحداً. وبينما اقترحت بعض الدول إظهار قوتها الرادعة لإسرائيل وداعميها الغربيين من خلال التهديد بفرض حظر نفطي عليهم، طالبت دول أخرى بقطع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع إسرائيل وداعميها. لكن الدول العربية التي قامت مؤخراً بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل رفضت هذا الاقتراح. أي أنه لم يكن هناك زعيم في القمة يقود الدول العربية إلى اتخاذ إجراءاتٍ ملموسةٍ وقاسيةٍ ضد إسرائيل وداعميها.