مرت تركيا وحلفاؤها الغربيون في حلف الناتو بفترة توتر بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في فبراير/شباط 2022. وبعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا، أدركت الدول الأوروبية القريبة من روسيا تهديدات موسكو لها. لذلك، تم اتخاذ إجراءات واسعة النطاق من قبل هذه الدول وحلفائها في الغرب. وفي هذا السياق، برز حلف الناتو كقوة عسكرية ذات سياسة توسعية أطلق عليها اسم سياسة الباب المفتوح.
وبالفعل أعلنت دولتان من شمال أوروبا هما فنلندا والسويد، رغبتهما بالانضمام إلى التحالف. وكانت عملية العضوية في هذين البلدين إشكالية للغاية ويرجع ذلك أساساً إلى اختلاف وجهات النظر بين الدول الأعضاء. وجاء التحدي الأهم من تركيا التي أعلنت أن البلدين المرشحين لا يوليان أية اعتبار للأمن القومي لتركيا. وعليه، وضعت أنقرة بعض الشروط لانضمامها للناتو.
وكرد فعل على تحرك تركيا، أعربت معظم الدول الغربية عن مخاوفها تجاه تركيا وبدأت في تهديد تركيا بشكل مباشر وغير مباشر لعرقلتها عضوية هذين البلدين. وبدأت الدول الغربية الكبرى في وضع شروط على علاقاتها الثنائية مع تركيا. فعلى سبيل المثال، ربطت الولايات المتحدة شراء طائرات إف-16 بعرض عضوية السويد. لكن أنقرة أظهرت عزمها على حماية مصالحها الوطنية وطلبت من الدولتين المرشحتين عدم دعم أنشطة المنظمات الإرهابية المناهضة لتركيا مثل جماعة غولن الإرهابية وتنظيم بي كي كي الدموي.
ووقعت تركيا والسويد وفنلندا اتفاقية ثلاثية في قمة الناتو التي عقدت في مدريد. وطلبت تركيا من هاتين الدولتين اتخاذ خطوات ملموسة لحظر أنشطة المنظمات الإرهابية. وفي وقت لاحق، نظرت تركيا في الخطوات التي اتخذتها فنلندا ورفعت حق النقض. وأصبحت فنلندا العضو الحادي والثلاثين في الناتو في 23 أبريل/نيسان وأنهت سياسة الحياد الرسمية.
لكن سياسة السويد المعادية لتركيا لم تتغير، وبالتالي لم ترفع تركيا حق النقض عن السويد التي استمرت في السماح بالأنشطة المعادية لتركيا داخل حدودها. وبالرغم من أن الحكومة السويدية قد غيرت بعض مواد الدستور المتعلقة بالإرهاب الدولي، إلا أنها لم تنفذ هذه التغييرات الدستورية بشكل فعال. بل نظمت بعض الجماعات الموالية لتنظيم بي كي كي الإرهابي عدة مظاهرات في استوكهولم، أهانوا خلالها رئيس تركيا.
وذهبت السويد إلى أبعد من ذلك، فقد سمحت الحكومة السويدية لبعض الأفراد والجماعات العنصرية والمناهضة للإسلام بإهانة الرموز المقدسة للدين الحنيف. ولم تتم إهانة الشعب التركي فقط من خلال هذه الممارسات بل أيضاً جميع الشعوب المسلمة في جميع أنحاء العالم.
ومع تمسك أنقرة بالسياسة التي أصرت عليها، تم عقد العديد من الاجتماعات الثنائية والمتعددة الأطراف للتغلب على المشكلة بين تركيا والسويد. وعلى وجه الخصوص، كانت وساطة الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ حاسمة. وعُقد آخر هذه الاجتماعات قبل يوم واحد من قمة الناتو في فيلنيوس حيث التقى الرئيس رجب طيب أردوغان ستولتنبرغ ورئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون في فيلنيوس لمناقشة آخر التطورات المتعلقة بعرض السويد.
نقطة تحول
ووفقاً للتوضيحات التي قدمها المسؤولون من الأطراف الثلاثة، وافقت تركيا أخيراً على إرسال بروتوكول انضمام السويد للناتو إلى البرلمان التركي في أقرب وقت ممكن والعمل عن كثب لضمان التصديق. وفي المقابل، وافقت الحكومة السويدية على إنعاش العلاقات التركية الأوروبية. وفي هذا السياق، وعدت السويد بدعم الجهود لإحياء عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي والمساعدة في تحديث الاتحاد الجمركي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا وتحرير التأشيرات بين الجانبين.
وبالنظر إلى ردود الفعل الأولى على الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين تركيا والسويد، يمكن أن تصبح قمة فيلنيوس نقطة تحول في العلاقات التركية الغربية، التي كانت متضاربة على مدار العقد الماضي، حيث ربطت كل من الدول الغربية وتركيا عملية الانضمام السويدية بقضايا أخرى وتناولت المشكلة من منظور واسع، وبالتالي تطورت القضية إلى موضوع شامل بين تركيا والدول الغربية.
من ناحية أخرى، أعلن المسؤولون الأمريكيون قبل ساعات فقط من دعم تركيا لانضمام السويد إلى الناتو، أنهم يدعمون توفير طائرات
إف-16 إلى تركيا. وبالإضافة إلى ذلك، أعلن مسؤول أمريكي أن حكومته ستستمر في دعم عملية عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي.
ذوبان الجليد على المحك
في الوقت الحالي، ليس من الواضح متى ستصبح السويد العضو الثاني والثلاثين في التحالف عبر الأطلسي، فقد ذاب الجليد بين تركيا والغرب إلى حد كبير، ويبدو أن زخم العلاقات الثنائية يسير في اتجاه إيجابي. ومع ذلك، تماشياً مع منطق استراتيجية المعاملة بالمثل، سننتظر ونرى في أي اتجاه ستمضي العلاقات الثنائية. وبالنظر إلى التنافس العالمي المتصاعد والأدوار المتزايدة للقوى العالمية غير الغربية والضعف الاقتصادي لتركيا، سوف يجبر الجانبان على تحسين علاقاتهما في مواجهة التحديات.
ونظراً لأنه يكاد يكون من المستحيل إحياء العلاقات التركية الغربية القديمة بسبب تغير ميزان القوى العالمي والتغيرات في السياسة الداخلية للجانبين، سيقوم الطرفان بمحاولة توازن جديدة في العلاقات الثنائية. كذلك فإن الجانبين بحاجة إلى إجراء حسابات وصفقات جديدة من أجل ترسيخ مواقفهما الجديدة في السياسة الدولية.