أكملت تركيا عملية انتخابية أخرى دون أن تواجه مشاكل تذكر. وأُجريت انتخابات الإعادة في 28 مايو/أيار حيث ذهب حوالي 85% من الناخبين الأتراك إلى مراكز الاقتراع وأدلوا بأصواتهم لمرشحين اثنين، الرئيس رجب طيب أردوغان كمرشح عن تحالف الشعب وخصمه كمال كليتشدار أوغلو كمرشح عن تحالف الأمة المعارض.
وحصل الرئيس أردوغان على 52.18% من الأصوات، بينما حصل منافسه كليتشدار أوغلو على 47.82%. وهكذا، فاز الرئيس أردوغان بأكثر من 10 انتخابات بما في ذلك الانتخابات الرئاسية والانتخابات البرلمانية والانتخابات المحلية والاستفتاءات التي دخلها منذ عام 2002. وهذا رقم قياسي في تاريخ تركيا الحديثة، ما جعل أردوغان رجل الدولة الأطول خدمة في تاريخ الجمهورية التركية.
بالرغم من هذا السجل الحافل بالانتخابات التركية الحرة والنزيهة، لا يزال العالم الغربي يستخف بنتائج الانتخابات التركية. ويواصل معظم الفاعلين السياسيين والمثقفين ووسائل الإعلام الغربية بإصرار وصف الرئيس أردوغان بأنه "زعيم سلطوي" أو "ديكتاتور". ولسوء الحظ، ساد هذا المفهوم الخاطئ على نطاق واسع عندهم وراح يشكل سياساتهم تجاه تركيا. وقبل كل انتخابات تقريباً، كان الفاعلون الغربيون المؤثرون يحشدون دعمهم لمعارضة أردوغان، أيا كانت تلك المعارضة.
وخلال الأشهر العديدة الماضية، غطت جميع وسائل الإعلام الغربية الرئيسية الانتخابات التركية. واعتبرت بعض هذه المنصات الانتخابات التركية أهم انتخابات لعام 2023 في العالم، وقد استثمروا بشكل كبير فيها من أجل تأمين انتخاب منافس أردوغان. واستهدفت جميع عناوين وسائل الإعلام الغربية الشائنة تقريباً الرئيس أردوغان وحكومته بشكل مباشر. ومع ذلك، لقّن الشعب التركي الجهات الغربية دروساً لا تُنسى، وحقق الرئيس أردوغان فوزاً ساحقاً بعد كل انتخابات.
التحيز الغربي
الغرب الذي لا يمكن إصلاحه والمؤمن باستثنائية الشرق الأوسط ولديه مفاهيم استشراقية تجاه تركيا، لا يتعلم أي درس من أخطائه الماضية ولا يريد لأي بلد مسلم أن يختبر ديمقراطية راسخة. ومن حيث المبدأ، لا يعترف الغرب بأي نتيجة لانتخاباتٍ فاز بها سياسيون يمنحون الأولوية للاستقلال السياسي لبلدهم أو أي سياسيٍ مناهضٍ للغرب. ومنذ أن طلب الرئيس أردوغان من الغرب أن تكون له علاقة قائمة على شراكة متساوية، يحاول الغرب الإطاحة به.
وعلى سبيل المثال، لم يدين الغرب محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في 15 يوليو/تموز 2016 ضد الحكومة التركية المنتخبة. وذهبوا إلى أبعد من ذلك، فمعظم الحكومات الغربية تستضيف الانقلابيين وتحميهم منذ ذلك الحين. ومن المفارقات أنهم قدموا كل أنواع المساعدات للفاعلين الدمويين المعترف بهم كمنظمات إرهابية من قبل الحكومات الغربية. لذلك، فإن الدعم الغربي لأي فاعل سياسي ومجتمعي مناهض لأردوغان ليس مفاجأة. ونظراً لأن الرئيس أردوغان لا يفي بتوقعاتهم ولا يقبل علاقة تبعية وهرمية معهم، فإن الجهات السياسية الغربية تسعّر حملتها المناهضة لأردوغان قبل كل انتخابات.
بالنظر إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يتحرك فيها القادة الغربيون بهذه السرعة لتهنئة أردوغان، يبدو أنهم سئموا من سياساتهم المضللة التي شكلتها بشكل أساسي مؤسسات الفكر الأكاديمية المناهضة لتركيا. ونظراً لأن الأكاديميين العلمانيين المخلصين والمفكرين النخبويين والأعضاء الهاربين من المنظمات الإرهابية المناهضة لتركيا، سيستمرون في تشكيل التصور المعادي لتركيا في الغرب، فإن الحكومات الغربية ستستمر في اتباع سياسات عدائية تجاه أنقرة.
ومع ذلك، يجب ألا ينسى الفاعلون السياسيون الغربيون أن هذه السياسات المعادية لتركيا كلها تأتي بنتائج عكسية. ونتيجة لإضفاء "طابع الآخر" على تركيا من قبل الغرب، فإن تركيا ستعيد توجيه سياستها الخارجية وفقاً لذلك وتحسّن علاقاتها مع الدول غير الغربية. وبعبارة أخرى، يعتمد مستقبل العلاقات التركية الغربية إلى حدٍ كبير على نظرتهم تجاه تركيا وعلى علاقاتهم مع المنظمات الإرهابية المناهضة لها.
وسيدرك القادة والحكومات الغربية عاجلاً أم آجلاً، أهمية تركيا ومعنى قيادة أردوغان الذي بنى حياته السياسية على الأصوات الشعبية والإرادة الوطنية. وكما يتقبل العديد من القادة في العالم أيضاً، فإن قيادة الرئيس أردوغان القوية ليست موجهة ضد أي دولة، بل لصالح بلاده فقط. وهذا هو السبب في أن أحد الشعارات الرئيسية للرئيس أردوغان هو تطوير منظور وطني وقومي، والذي يساء تفسيره أيضاً في الغرب على أنه قومية سياسية. وهدفه النهائي هو تطوير نظرة تتمحور حول أنقرة. ومما لا شك فيه أن الفاعلين السياسيين الغربيين سيصلون أيضاً إلى نقطة الاعتراف بالرئيس أردوغان كلاعب فعّال في السياسة الدولية يمثل تركيا الصاعدة. فلنراقب ونرى ما ستخبرنا به الأيام القادمة.