تنظر روسيا والصين إلى السياسات الغربية التدخلية على أنها انتهاك للنظام الدولي الحالي، وأحد مبادئه الرئيسية في السيادة المطلقة.
وحتى وقت قريب جداً، حافظت الصين بشكل أساسي على موقف محايد تجاه التطورات السياسية في البلدان الأخرى، ومع ذلك، فقد تغير هذا النهج مع بدء بكين في إظهار قوتها الصارمة، وممارسة المزيد من النفوذ في السياسة الإقليمية والدولية، خاصة بعد الوساطة الناجحة التي قامت بها بيجين بين السعودية وإيران، والتي أعطت مؤشراً واضحاً على الفعالية السياسية الصينية المتزايدة.
وعلاوةً على ذلك، فإن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ الأخيرة إلى موسكو تجسد هذا التغيير في منظور السياسة العالمية، تلك الزيارة التي وُصفت بأنها تاريخية لأنها سلطت الضوء على خطابٍ بديل يحيط بالحرب المستمرة في أوكرانيا.
وكانت كلاً من روسيا والصين قد أعلنتا اتفاقية شراكة قوية في 4 فبراير/ شباط 2022، قبل عدة أسابيع من الاجتياح الروسي لأوكرانيا، وبالرغم من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال وقتئذٍ إن اتفاقية التعاون هذه ليست موجهة ضد الغرب، إلا أن العديد من المراقبين فسروا هذه الاتفاقية على أنها رغبة الصينيين والروس في إنشاء محور قوة جديد وتغيير النظام العالمي، وبالفعل فقد بدأت الصين وروسيا وفقاً لذلك، هجوماً دبلوماسياً شاملاً، وأقامتا علاقات استراتيجية مع العديد من الدول.
وتعد الأزمة الأوكرانية أفضل مثال على التحدي ضد الهيمنة الغربية، إذ لا يزال الغرب يراهن على أن تتعثر روسيا في الوحل باجتياحها لأوكرانيا، لذلك قدمت الدول الغربية أسلحة للجيش الأوكراني لزيادة قدرته، متوقعةً أن يصبر الجنود والشعب الأوكراني على المعاناة وويلات الحرب، من أجل تعظيم المصالح الوطنية للدول الغربية وإبقاء روسيا في المستنقع.
والحقيقة، أن العديد من المراقبين يعتقدون أن الحرب في أوكرانيا ما هي إلا حرباً بالوكالة، حرَّض عليها الناتو وعلى رأس أعضائه، الولايات المتحدة، ولذلك تفترض وجهة النظر هذه أن روسيا والصين وحدتا قواهما لمواجهة توسع الناتو باتجاه الشرق، والذي تعتبره روسيا تهديداً وجودياً لها.
ومن ناحية أخرى، تحاول الصين منع روسيا من دفع ثمنٍ باهظ لاجتياح أوكرانيا، وبدلاً من ذلك، تريد بيجين من روسيا أن تهدد الغرب وتتحداه. وفي الوقت الذي يعتبر فيه الغرب اجتياح أوكرانيا حرب استنزاف لروسيا، ترى الصين هذه الأزمة بمثابة حرب استنزافٍ للغرب.
وتدعم زيارة الرئيس شي جين بينغ إلى موسكو الأسبوع الماضي روسيا وزعيمها، في وقتٍ زاد فيه الغرب الضغط على بوتين، إذ لا يريد الرئيس الصيني أن يعاني بوتين على يد الدول الغربية.
موقف الصين المحايد
اتخذت الصين خلال العام الماضي، موقفاً لا يدعم الغزو الروسي لأوكرانيا تماماً ولا يعارضه تماماً، ومثل العديد من الدول غير الغربية، واصلت الصين علاقاتها الاقتصادية مع روسيا ووسعت تعاونها الثنائي.
وقامت بيجين مدفوعةً بالعقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا، بزيادة حجم تجارتها مع موسكو. وعلى عكس تراجع التجارة الأوروبية الروسية عام 2022، ارتفعت التجارة الصينية الروسية بنسبة 30% وبلغت مستوىً قياسيٍ جديد عند 190 مليار دولار.
وفي غضون عامٍ بعد اندلاع الحرب الأوكرانية الروسية، ارتفعت واردات الصين من روسيا بنسبة 43% تقريباً ووصلت إلى 114 مليار دولار، كما تضاعفت واردات الصين من الغاز المسال من روسيا عام 2022، وهذا يعوض جزئياً عن مبيعات النفط والغاز الطبيعي التي خسرتها روسيا العام الماضي من الاتحاد الأوروبي.
ثانياً، نجحت روسيا في تحويل انتباه الغرب والرأي العام العالمي إلى أوروبا الشرقية، الأمر الذي أفاد الصين بقوة، فمع زيادة قوة الغرب في المنطقة نتيجة لطول أمد الحرب، تزيد احتمالية أن يتسبب استمرار النزاع في حدوث أزمات متعددة، مثل أزمة الطاقة للدول الأوروبية وأزمة الغذاء العالمية، وهكذا بدأت الصين بمحاولة ملء فراغ السلطة في السياسة الدولية الذي خلقته الدول الغربية.
ثالثًا، تُظهر جميع التطورات الأخيرة استمرار تدهور النظام الدولي الليبرالي الذي يهيمن عليه الغرب إضافةً إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يعد بمقدور الدول الغربية ولا المؤسسات الدولية الغربية أن تجد حلولاً للأزمات العالمية أو الإقليمية.
وفي الوقت نفسه بدأ صعود النفوذ الصيني والروسي يساهم في عدم فعالية الدول الغربية، كما أن هذين البلدين راحا يقودان لاعبين دوليين وإقليميين آخرين، للمطالبة بإعادة توزيع القوة السياسية والاقتصادية. وأخذت الصين توسع تدريجياً مجال نفوذها ضد مصالح الدول الغربية.
رابعاً، أدى صعود اللا ليبرالية والقومية المتطرفة والعنصرية وكراهية الأجانب في الدول الغربية، إلى إنهاء التفوق الأخلاقي للديمقراطيات الغربية.
ولم يعد تعزيز الديمقراطية مبدأً يدعمه الغرب. بل عمل الدعم الغربي لعودة الأنظمة الاستبدادية والسلطوية إلى العالم العربي، كمؤشرٍ واضحٍ على الاتجاه غير الليبرالي الجديد في السياسات الغربية.
وعلاوة على ذلك، تم إضعاف الروابط المؤسسية داخل الغرب بعد عدة اختبارات حاسمة، مثل الأزمة الاقتصادية العالمية ووباء كوفيد-19.
وصار واضحاً أن الغرب منشغل بشكل رئيسي بمشاكله الداخلية ولا يتمتع بموقفٍ موحد ضد التهديدات الخارجية.
وبشكل عام، تدور المخاوف بعد تغيير ميزان القوى العالمي، حول إمكانية أن تقوم القوى الصاعدة مثل الصين وروسيا بتقليد السياسات الأحادية والتدخلية للغرب.
لذلك، يؤكد الرئيس بوتين دائماً أن التدخل الغربي في السياسة الداخلية الأوكرانية أدى إلى الاجتياح الروسي. وبالنظر إلى الواقع السائد في السياسة الدولية، نجد أن التدخلات الغربية قبل غزو روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2013، لعبت بالفعل دوراً هاماً في هذا القرار.
وترى روسيا والصين في سياسات التدخل الغربي انتهاكاً للنظام الدولي الحالي وأحد مبادئه الرئيسية في السيادة المطلقة.
وقد جاء ذلك في الورقة الصينية المعلنة لحل الأزمة الأوكرانية، حيث دعت الصين جميع الدول إلى احترام القوة الكاملة وفهم المخاوف الأمنية للدول الأخرى.