أظهر حرق القرآن مؤخراً أن الحكومات الأوروبية حساسة تجاه الجرائم التي تُرتكب ضد أحد الأديان فقط، ولكن ليس ضد الإسلام
فبعد أن سمحت الحكومة السويدية لراسموس بالودان القومي المتطرف واليميني المتطرف والسياسي العنصري، بحرق نسخة من القرآن الكريم، أمام السفارة التركية في ستوكهولم، بدأ الرأي العام العالمي في مناقشة صعود معاداة الإسلام في الغرب وأوروبا على وجه الخصوص.
ونظراً لأن ارتكاب جرائم الكراهية ضد المسلمين الذين يعيشون في الدول الغربية أصبح جزءاً من الحياة اليومية، فمن الواضح أن الأوروبيين لم يتعلموا الدرس من تاريخهم منذ أن كرروا جرائم مماثلة ارتكبوها ضد اليهود خلال النصف الأول من القرن العشرين، وها هم يعيدون أخطاءهم ذاتها ضد المسلمين. ومن الواضح أنهم نسوا جريمة الإبادة الجماعية التي ارتكبت ضد مسلمي البوسنة في التسعينيات. ولو كان الأمر يتعلق بالديمقراطية الليبرالية ومبدأ حرية التعبير، فإن نفس الحكومة التي سمحت للعنصري بحرق القرآن ما كانت لتسمح بارتكاب جريمة الكراهية نفسها ضد التوراة، الكتاب المقدس لليهود.
وبعبارة أخرى، أظهر الحدث الأخير أن الحكومات الأوروبية حساسة بشأن الجرائم التي تُرتكب ضد دين بعينه وليس ضد الإسلام. وهنا لا بد من التأكيد على أن جرائم الكراهية لا تتغير طبيعتها، سواء ارتكبت ضد المسلمين أو اليهود.
ومن المؤكد أن هذه المشاعر المعادية للإسلام والمتزايدة ستؤدي إلى مزيد من تحويل المسلمين إلى غرباء وبالتالي شيطنتهم في عيون العالم، حيث اعتبر الأوروبيون الإسلام والمسلمين كبش فداء، خاصة على مدى العقدين الماضيين. وبعبارة أخرى، تمهد الحكومات الأوروبية الطريق لانتشار معاداة الإسلام في جميع أنحاء أوروبا. ومن الطبيعي أن تقود السياسات الحالية للحكومات الأوروبية بالفعل لظهور المشاعر المعادية للإسلام والمسلمين في العالم الغربي وعموم أوروبا، مما قد يؤدي إلى عمليات قتل جماعي في القارة.
ويمكن لأي مراقب أو أكاديمي أو سياسي أن يرى بسهولة أن كل هذه السياسات المعادية للمسلمين تأتي بنتائج عكسية بالنسبة للدول الأوروبية. إذ يعيش الملايين من المسلمين في جميع أنحاء القارة اليوم حتى أن أكثر من 5% من سكان أوروبا مسلمون وهناك إحصائيات تشير إلى أن عدد المسلمين الذين يعيشون في أوروبا وصل إلى 70 مليوناً. وعلاوةً على ذلك، ليس كل المسلمين الذين يعيشون في أوروبا مهاجرين غير شرعيين.
المسلمون في أوروبا
هناك أربعة أنواع على الأقل من المسلمين يعيشون في أوروبا. المجموعة الأولى هم مسلمو أوروبا الذين يعيشون تاريخياً في القارة، مثل الألبان والبوسنيين والأتراك. وإلى جانب تركيا، هناك ثلاث دول ذات أغلبية مسلمة في القارة الأوروبية، وهي ألبانيا وكوسوفو والبوسنة والهرسك. كما تستضيف بعض الدول الأوروبية جالياتٍ مسلمة كبيرة. فعلى سبيل المثال، يعيش أكثر من 15 مليون مسلم في الجزء الأوروبي من روسيا. وبالمثل، يوجد في بلغاريا واليونان ومقدونيا الشمالية مجتمعات مسلمة كبيرة.
أما المجموعة الثانية من المسلمين الأوروبيين فهم المسلمون الذين تحولوا إلى الإسلام، والذين غيروا معتقداتهم إلى الدين الحنيف. وهؤلاء أوروبيون أصليون ذوي بشرة بيضاء وعيون زرقاء. وبالنظر إلى الانتشار المستمر للإسلام في القارة، فإن عدد المسلمين الأوروبيين الذين يعتنقون الإسلام في ازدياد متصاعد.
والمجموعة الثالثة من المسلمين هم مهاجرون شرعيون، مدعوون بشكل أساسي من قبل الحكومات الأوروبية، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية المدمرة، فقد طلبت دول أوروبية مثل ألمانيا من المسلمين أي من شعب تركيا، العمل في قطاعات مختلفة من الاقتصاد. وتم تجنيس معظم هؤلاء المهاجرين الشرعيين من قبل الحكومات الأوروبية بمرور الوقت. وكثير منهم يشاركون في الوقت الحاضر بنشاطٍ في السياسة الداخلية للدول الأوروبية المعنية كمشرّعين. وبينما يتم انتخاب العديد من السياسيين المسلمين في البرلمانات المحلية والوطنية، يتم انتخاب البعض في البرلمان الأوروبي.
المجموعة الأخيرة والرابعة من مسلمي أوروبا، هم مهاجرون غير شرعيين من دول الشرق الأوسط وجنوب آسيا والدول الإسلامية الأفريقية. حيث يغادر المسلمون أوطانهم لأسباب مختلفة، أهمها فشل الدولة وما يرتبط بذلك من انعدام الأمن السياسي. كذلك أحد أسباب مغادرة المسلمين أوطانهم ودولهم إلى أوروبا هو السياسات التدخلية للحكومات الأوروبية. وقد تم التأكيد على هذه النقطة بوضوح من قبل رئيسة الوزراء الإيطالية الحالية جيورجيا ميلوني عندما انتقدت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لسياسات بلاده الأحادية والتدخلية ضد الدول الأفريقية والتسبب في تنامي الهجرة غير الشرعية إلى الدول الأوروبية، حيث كانت إيطاليا واحدة من وجهات المهاجرين الأساسية.
وبالنظر إلى هذه الحقائق، نجد أن الحكومات الأوروبية ليس لها الحق في جعل الإسلام والمسلمين عناصر غريبة، لأنهم بالفعل جزء من أوروبا. وإن تعزيز المشاعر المعادية للإسلام والمسلمين هي سياسة تأتي بنتائج عكسية، وستضر بالاستقرار السياسي والوئام الاجتماعي في الدول الأوروبية. ويجب على الحكومات الأوروبية التوقف عن تشجيع شعوبها على مهاجمة المسلمين ورموز الإسلام لأن المسلمين اليوم باتوا بالفعل ضحايا العنف في جميع أنحاء أوروبا. ونشهد اعتداءات عنيفة على المساجد والمسلمين في جميع أنحاء القارة يومياً. لذلك، فإن الهجوم الشنيع في ستوكهولم ليس استثناءً ولكنه الحلقة الأحدث من سلسلة مستمرة.
وفي هذه المرحلة، يتحمل الأوروبيون العقلاء الذين يؤمنون بمبدأ التعايش السلمي، مسؤولية تحذير حكوماتهم من التخلي عن سياساتها المعادية للإسلام والمسلمين. بل يجب على السياسيين الأوروبيين المعتدلين والمسؤولين العمل بجد لعكس هذه العملية الخطيرة. كما يجب على الحكومات الأوروبية التخلي عن سياسة صب البنزين على النار من أجل المصالح السياسية قصيرة المدى.