تواجه طهران مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية حادة على الصعيد المحلي أهمها الآثار السلبية للعقوبات الأمريكية طويلة الأمد والفقر والبطالة والجفاف والهجرة والقلق المتزايد بين مختلف شرائح المجتمع، إضافةً إلى العديد من التحديات الوطنية والإقليمية الأخرى.
وبالرغم من ترسيخ النظام، تواصل الحكومات الإيرانية العمل من منظور الأقلية. فالبلاد محاطة بدول عربية وتركية وتشعر بالاحتواء من قبل أعدائها، وبالتالي تبدو منعزلة وضعيفة. لذلك تتبع طهران خطة تحليل علاقاتها مع الجهات الفاعلة الإقليمية من منظور محصلة صفر وتمارس سياسة إقليمية تتسم بالصراع، لأنها ترى أن أي تطور يساهم في استقرار المنطقة يمثل تهديداَ لها.
كما تواجه إيران مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية خطيرة في السياسة الداخلية. وهي تعاني من ناحية أخرى من مشاكل اقتصادية عميقة ويرجع ذلك أساساً إلى الآثار السلبية للعقوبات الطويلة الأمد التي فرضتها الولايات المتحدة، وتراجع الصادرات والتوازنات التجارية السلبية وارتفاع معدلات التضخم والفقر والبطالة والجفاف والهجرة.
ومن المعروف أن إيران واجهت ولا تزال تحديات متزايدة من شرائح مختلفة من مجتمعها إذ يزداد قلق الأقليات مثل الأتراك والأكراد والعرب والبلوش من النظام. وقد استهدفت أحدث موجة من الاحتجاجات الشعبية التي أشعلتها وفاة الشابة الإيرانية مهسا أميني التي احتجزتها شرطة الآداب لعدم تغطية شعرها، سياسات وشخصيات الثورة الإيرانية ووضعتها في موضع انتقاد شرائح مختلفة من المجتمع الإيراني وانتقاد شامل للنظام بشكل عني. ما جعل من الصعب للغاية إضفاء الشرعية على سياسات النظام طويلة الأمد بسبب القلق المتزايد من الناس.
سياسات سوريا والعراق
وعلاوة على ذلك، قام النظام الإيراني بشكل مباشر أو غير مباشر بإبعاد وعزل شرائح مختلفة من المجتمع بسبب سياسته الخارجية القائمة على الصراع. ودأبت إيران على اتباع علاقة صفرية مع جميع الأطراف الإقليمية تقريباً، ما أدى إلى تنفير شعوب المنطقة منها ومن امتداداتها المحلية. وقامت إيران بدايةً بتنفير المسلمين السنة من خلال دعمها لنظام بشار الأسد في سوريا الذي قتل مئات الآلاف من الأبرياء منذ قيام الثورة السورية. وقد ألحقت السياسة الإيرانية تجاه الانتفاضات العربية والأزمات السورية واليمنية على وجه الخصوص أضراراً جسيمة بما يسمى بالخطاب السياسي الإسلامي الشامل. كما عزز تدخل إيران في السياسة العراقية والأعمال العنيفة لميليشيات موالية لإيران منظورها الطائفي بشكل خاص. وتستخدم إيران مئات الميليشيات التي تعمل بالوكالة التي شكلها الشيعة ضد السنة في العراق. بل إنها أدت في النهاية إلى نفور الشيعة العراقيين مثل حركة رجل الدين القوي مقتدى الصدر.
ثانياً، لم تقم طهران بتنفير الشعب الأذربيجاني في بلاده فقط ولكن أيضاً الأذربيجانيين الذين يعيشون في إيران من خلال استهداف أذربيجان ودعم أرمينيا في جنوب القوقاز. ومن الواضح أن هذا التوجه يأتي بنتائج عكسية بالنسبة لإيران، فكلما تحالفت مع أرمينيا ووضعت نفسها ضد أذربيجان، زاد ذلك من تأجيج القومية الأذربيجانية. بعبارة أخرى، يشير دعم دولة مسيحية واستهداف دولة إسلامية شيعية إلى أن إيران تتبع سياسة خارجية قائمة على مصالح واقعية بحتة. وقد أعرب المسؤولون الإيرانيون بوضوح أنهم سيتدخلون إذا تغيرت الحدود الأرمينية الأذربيجانية، وهددت إيران أذربيجان التي حررت للتو أراضيها من الاحتلال الأرمني علناً. وتتعارض السياسة الإيرانية تجاه أذربيجان بشكل واضح مع سياستها الإقليمية الطائفية.
أكراد إيران
ثالثاً، عملت إيران على تحويل الأكراد الذين يشكلون أكثر من 10% من سكان البلاد، إلى شتات لا تأثير له. فمن خلال الاستهداف المستمر لحكومة إقليم كردستان في العراق، تحاول إيران إضعاف الفاعلين السياسيين الأكراد الذين يتعاونون مع دول إقليمية أخرى مثل تركيا. ومن المفارقات أن جمهورية إيران الإسلامية كانت تتعاون مع الفصائل الكردية اليسارية والعلمانية، بما في ذلك تنظيم واي بي جي/بي كي كي الإرهابي، بينما تعمل على عزل الجماعات المحافظة مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني. وعلاوة على ذلك، فإن أكراد إيران ومعظمهم من المسلمين السنة، تم عزلهم وقمعهم من قبل النظام.
يبدو أن كل هذه السياسات المتضاربة وجهود التحول التي تبذلها إيران ستزيد من عزلتها في المنطقة. وبدلاً من اتباع علاقة صفرية مع دول وشعوب المنطقة الأخرى، يجب على إيران محاولة التكيف معها. لأنه بدون علاقات جيدة مع جيرانها، من المستحيل عليها تحقيق الاستقرار في سياساتها الداخلية والتغلب على العزلة الدولية. وبالرغم من أن تدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن تبدو ناجحة، إلا أن إيران لا تستطيع الحفاظ على سيطرتها على هذه الدول. ولا يمكنها أن تضمن ولاء الأتراك أو العرب الشيعة بينما تهدد الدول التركية والعربية.
وبالنظر إلى التراجع النسبي في تأثير القوى العالمية والزيادة النسبية في فعالية القوى الإقليمية في النظام الدولي، إذا لم تغير طهران سياستها الإقليمية المتضاربة، فستواجه تحديات أكبر في مواجهة دولة تركية أكثر توحداً وقوة علاوةً على مواجهة العالم العربي الناقم عليها.