تستعد تركيا لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية يوم الأحد. ومن المعروف بشكل عام أن البلاد على مفترق طرق، إذ يعتبر جميع المراقبين الداخليين والخارجيين هذه الانتخابات هي أهم انتخابات في العالم كله، بمعنى أنها ليست حيوية فقط للشعب التركي ولكنها مهمة أيضاً للمنطقة وحتى للعالم. وسيكون لنتائج الانتخابات التركية آثار كبيرة على السياسة الوطنية والدولية على حد سواء. وأستعرض في هذا المقال بعض الملاحظات حول التصورات الغربية للانتخابات المقبلة.
أولاً، اختارت وسائل الإعلام الغربية ومراكز الفكر موقفها بوضوح وهو موقف مناهض لأردوغان، كما جرت العادة. وراحوا يحشدوم الدعم الواسع للمعارضة، بدعوى أنهم يريدون الإطاحة بحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان واستبدالها بجبهة "ديمقراطية" رغم أن الغرب يفضل دائماً -وهذا ليس سراً- إدارة "سلطوية تابعة" على "ديمقراطية مستقلة".
والسبب في عدم حبهم لأردوغان هو خطابه السياسي المتمركز حول أنقرة وتأكيده على الاستقلال السياسي لتركيا، ولأن أردوغان يرفض ممارسة اللعبة وفق القواعد الغربية، وبدلاً من ذلك، يفضل اتباع سياسةً تتناسب مع احتياجات بلاده. ولا يبدو الغرب سعيداً بخطاب أردوغان السياسي، الذي يطلب شراكة متساوية مع حلفائه الغربيين، بدلاً من علاقة هرمية.
ثانياً، في الوقت الذي أعلن فيه أردوغان بإصرار أنه مصمم على حكم تركيا لصالح الأتراك، وليس من أجل المصالح الوطنية للغرب، تزعم المعارضة أنها ستسعى إلى نهجٍ أقرب بكثير مع الغرب. ووفقاً للنص المشترك الذي أعدته أحزاب المعارضة وتفسيرات شخصيات المعارضة في حال وصولهم إلى السلطة، فسيعودون إلى برنامج إف-35 ويبدأون عملية الانضمام مع الاتحاد الأوروبي ويساعدون في تسهيل ورفع متطلبات التأشيرة للأتراك الراغبين في زيارة منطقة شنغن. وإذا كان الحال هكذا، فمن الواضح أنه سيكون له تكلفة وأن عليهم تقديم شيء في المقابل. أي أن المعارضة ستتصرف وفق توقعات الدول الغربية، ومن نتائج هذه السياسة تدهور العلاقات مع الجزء غير الغربي من العالم، وبالتحديد مع الاتحاد الروسي والعالم الإسلامي.
ثالثاً، مثلما جندت الدول الغربية النازيين بعد الحرب العالمية الثانية، قامت بتجنيد اليساريين والشيوعيين السابقين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واستخدمتهم لمصلحتها. لذلك، ليس من المستغرب أن اليساريين الذين كانوا معادين للإمبريالية والغرب في الأمس صاروا يخدمون مصالح الدول الغربية في الوقت الحاضر. ومن المفارقات أن هؤلاء الفاعلين السياسيين مثل حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي وحزب الشعوب الديمقراطي الموالي لتنظيم بي كي كي الإرهابي، يزعمون في الوقت نفسه أنهم يساريون وحلفاء مقربون أيضاً من الغرب. ومن المثير للاهتمام أن أياً من الجانبين لا يشكك في هذا الشذوذ، بل ترى الغرب يدعم جميع الفاعلين السياسيين اليساريين الرئيسيين والراديكاليين تقريباً في محاولاتهم للإطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية، التي تمثل المنظور الوطني والمستقل.
رابعاً، مخاوف الغرب من كتلة المعارضة التي تمثل ائتلافاً من وجهات نظر سياسية مختلفة وحتى متضاربة. فالغرب يدرك حقيقة أنه إذا ما وصلت المعارضة إلى السلطة، فلن يكون من السهل اتباع سياسة داخلية وخارجية موحدة. ولا أحد يعرف كيف سيحافظ زعيم هذا الائتلاف إن وجد، على مزيج الأفكار وينسق وجهات النظر المختلفة. والواقع أن الأحزاب في كتلة المعارضة وافقت على الإطاحة بحزب العدالة والتنمية الحاكم وزعيمه الرئيس أردوغان، لكنها ستواجه العديد من التحديات حول كيفية حكم البلاد. بمعنى آخر، يبدو أن اتحادهم لن يستمر مدى الحياة، بل سرعان ما سنرى اختلافهم وتصدع صفوفهم. وتضم الكتلة الائتلافية المكونة من سبعة أحزاب: يساريين ويساريين راديكاليين وقوميين أتراك معتدلين وقوميين أتراك متطرفين وعلمانيين ودينيين وليبراليين ومحافظين. ولم يتم حتى الآن وضع أي خطة محددة لتنسيق وجهات النظر المتضاربة هذه.
خامساً، يعلم الجميع أن الإعلام الغربي والحكومات الغربية قد حفروا المسمار الأخير في نعش الديمقراطية الليبرالية. لقد فقدوا التفوق الأخلاقي على سياساتهم الأحادية الجانب في الجزء غير الغربي من العالم، وتدخلاتهم في الشؤون الداخلية للدول الديمقراطية. ومن المعروف في العالم غير الغربي، أن الدعم الغربي هو لتعظيم مصالحهم الوطنية، بدلاً من إعطاء الأولوية لبعض القيم العالمية. فعلى سبيل المثال، ساهمت الدول الغربية بشكل كبير في تحول الربيع العربي إلى شتاء عربي. لقد غيروا الحكومات المنتخبة بإدارات قمعية. إنهم يقبلون نتيجة الانتخابات العامة، فقط إذا كانت في صالح الأطراف ذات التوجه الغربي والمعتمدين على الغرب. وليس الشغل الشاغل للدول الغربية حماية القيم الليبرالية، ولكن تعظيم مصالحهم الوطنية. وبمعنى آخر، بما أن الجماهير التركية تعلم أن الغرب لا يحبذ المصالح الوطنية لتركيا بدليل دعمهم لكل من تنظيم بي كي كي وجماعة غولن الإرهابية، فإن الدعم الغربي للكتلة المناهضة لأردوغان سوف يأتي بنتائج عكسية.
وبشكل عام، أعتقد أن زيادة الوعي لدى الشعب التركي، خاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو/تموز 2016، ستُحبط كل هذه المحاولات الخارجية. وفي واقع الأمر، فإن معظم التدخلات الغربية في الشؤون الداخلية التركية تأتي بنتائج عكسية. وسترى الأوساط السياسية والإعلامية الغربية مرة أخرى أن تدخلها الوقح في الانتخابات التركية يخدم غرضين رئيسيين هما زيادة المشاعر المعادية للغرب في البلاد، وتمكين الجانب المستهدف والكتلة الوطنية المستقلة وقيادة أردوغان وأصوات تحالف الشعب.