بسبب العلاقات طويلة الأمد بين البلدين ينظر الشعب الأفغاني إلى تركيا نظرةً إيجابية تحمل آمالاً عريضة، بالرغم من تأكيد أنقرة على أنها ستتصرف بالتنسيق مع حلفائها.
مع التزامها بقواعد القانون الدولي والتزاماتها مع حلفائها، لم تتبع تركيا سياسة خارجية نشطة تجاه الأزمة الأفغانية الأخيرة فحسب، بل عملت أيضاً على حماية مزاياها الوطنية في البلاد ايضاً.
وبالرغم من تأكيد المسؤولين الأتراك بإصرار أنهم سيعملون مع المجتمع الدولي ويحترمون قرارات المنظمات الدولية، إلا أنهم أكدوا أيضاً على رغبتهم بحصول توازنات اقتصادية وسياسية واجتماعية في البلاد.
إضافةً إلى ذلك، تحاول تركيا ضمان الاستمرار في لعب دور في بناء دولة مؤسساتية في أفغانستان وإرساء الاستقرار السياسي فيها، مؤكدةً عزمها على الاهتمام ومتابعة التطورات الداخلية في البلاد التي أنهكتها الحروب.
فما هي معالم السياسة الخارجية التركية تجاه أفغانستان؟ وما هي معاييرها؟
هناك عدة معايير تحدد سياسة تركيا الخارجية تجاه الأزمة الأفغانية الأخيرة.أولها أن تركيا تتمتع بصلات تاريخية قوية مع أفغانستان حيث كانت الدولة الثانية التي تعترف بالدولة التركية الجديدة في عام 1921. ومن ثم أنشأت جمهورية تركيا الوليدة أول بعثة دبلوماسية لها في كابول، عاصمة أفغانستان.
علاوة على ذلك، أرسلت الدولة التركية الجديدة البطل القومي فخر الدين باشا المعروف باسم أسد الصحراء لوطنيته أثناء حصار المدينة المنورة خلال الحرب العالمية الأولى، كسفير لها في كابول. وخدم أسد الصحراء سفيراً هناك مدة 4 سنوات ولعب دوراً هاماً في تنمية الصداقة التركية الأفغانية.
والمعيار الثاني أن تركيا تتمتع بعلاقة عرقية قوية مع أفغانستان، وإلى جانب صداقتها التاريخية مع السكان البشتون، فإن ما يقرب من نصف سكان البلاد مرتبطون بالشعب التركي مثل الطاجيك والأوزبك والتركمان والقرغيز ومنهم أحمد شاه مسعود القائد العسكري الأسطوري أثناء المقاومة ضد الغزو السوفيتي في الثمانينات، إذ كانت أصوله طاجيكية. ومما لا شك فيه أن هذا التقارب العرقي بين سكان البلدين يجبرهم على تحسين العلاقات الثنائية والتعاون في المحافل الإقليمية والدولية.
أما ثالثها، فإن تركيا تحاول تنسيق سياستها في أفغانستان مع حلفائها مثل باكستان كيلا تطغى مصالحهم المتداخلة أصلاً على بعضها إذ أن باكستان وهي أقرب دولة لأفغانستان لا تشترك معها في الحدود فحسب، بل تشترك معها أيضاً في الدين والعرق. وعلى سبيل المثال، يعد البشتون أكبر مجموعة عرقية في أفغانستان وثاني أكبر مجموعة في باكستان بالرغم من أن عددهم في باكستان يفوق عدد سكان أفغانستان بالكامل. وبعبارة أخرى، تحرص تركيا في خضم الأزمة الأفغانية على عدم الاختلاف مع باكستان التي تعتبرها "دولة شقيقة"، وهي فكرة لا يطبقها الشعب التركي إلا على باكستان وأذربيجان.
كما أن تركيا تحاول المساهمة في التنمية الاقتصادية للبلاد إذ تقدم أنقرة مساعدات إنسانية لأفغانستان منذ عشرينيات القرن الماضي، علاوةً على مساهمتها في جهود تحديث أفغانستان لعقود من الزمن حيث كانت تركيا واحدة من الداعمين الرئيسيين للمقاومة الأفغانية ضد الغزو السوفيتي في الثمانينات. وفي أعقاب سيطرة طالبان على البلاد، أبدت تركيا استعدادها لمواصلة لعب دور بناء لتحسين قدرة أفغانستان السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية.
وباستطاعة تركيا أن تساهم في التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي للبلاد بطرق متعددة. وتتمثل إحدى المساهمات العاجلة في توفير الدعم الفني لجعل مطار كابل حامد كرزاي الدولي يعمل بكامل طاقته. بالإضافة إلى ذلك، تحاول تركيا تحسين علاقاتها التجارية مع أفغانستان من خلال تنشيط ممر اللازورد، الذي يربط أفغانستان بتركيا عبر تركمانستان وأذربيجان وجورجيا. ومع ذلك، فإن أحد الشروط المسبقة للمساعدات الإنسانية والتنموية التركية هو موافقة الفاعلين السياسيين الأفغان، وحركة طالبان على وجه الخصوص. لذلك، تحرص تركيا على إشراك جميع الجهات السياسية الفاعلة ذات الصلة.
وكذلك تصر تركيا على عدم التعارض مع حلفائها في الناتو فيما يتعلق بأزمة أفغانستان. لذلك، حاولت أنقرة حشد دعم الولايات المتحدة وأعضاء الناتو الآخرين عندما طالبت بلعب دور في السيطرة على مطار كابل. وهي اليوم مترددة في الاعتراف بعلاقاتها مع طالبان دون موافقة حلفائها وموافقة المؤسسات الدولية. ومع ذلك، وبسبب الروابط التاريخية والعرقية المذكورة أعلاه، من المتوقع أن تنتهج تركيا سياسة متميزة تجاه أفغانستان، وهي مصممة على الدفاع عن مصالحها الوطنية في البلاد.
أخيراً، تعلمت تركيا ألا تتبع سياسة خارجية قائمة على مبدأ "الكل أو لا شيء"، وهو ما فعلته مع مصر بتكلفة باهظة. لذلك أبقت أنقرة سفارتها مفتوحة في كابل. ومن حيث المبدأ وكمثال على استراتيجية المعاملة بالمثل، ستحاول تركيا إجراء حوار مباشر مع طالبان، وإذا ما اتخذت طالبان خطوات إيجابية تجاه تركيا، فإن أنقرة مستعدة لتحسين علاقاتها معها.
لقد كشفت الأزمة الأفغانية مجدداً عن مرونة السياسة الخارجية التركية وقدراتها المتزايدة. وبشكل عام، تتبع تركيا سياسة متوازنة تجاه أفغانستان مع مراعاة المعايير والتوازنات الإقليمية المختلفة.