سيطرت الدول الغربية على السياسة العالمية خلال القرون الخمسة الماضية. واستندت سياساتهم الخارجية على الواقعية واتخاذ المواقف الآنية ومراعاة الاحتياجات العملية، ولم تستند على المبادئ أو الأفكار الأخلاقية. لذلك قامت هذه الدول باستغلال وتسخير كل ما أتيح لها كأداة تنفيذية لأغراضها، وانتهكت المبادئ الأساسية للقانون الدولي لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية، لا سيما عندما كانت تلك الأهداف على وشك أن تتعثر.
ويشهد تاريخ الدول الغربية أنها ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بشكل متكرر، في كل القارات على مدى القرون العديدة الماضية.
وعندما راحوا يفقدون مزاياهم النسبية في الشرق الأوسط واستقروا في أوروبا، حوّلوا وجوههم نحو العالم الجديد وارتكبوا إبادة جماعية ضد الأمريكيين الأصليين أثناء الاستيطان الأوروبي هناك.
وفي عام 2019، اعتذر حاكم ولاية كاليفورنيا الحالي "جافين نيوسوم"، عن مقتل الآلاف من الأمريكيين الأصليين بين عامي 1849 و1870 على يد حكومة ولاية كاليفورنيا، ووصف ما حدث بأنه إبادة جماعية.
وفي الوقت الذي بدأت فيه الحضارة الغربية تعاني من الفاشية نتيجة تعرضها لسنوات إلى أزمة اقتصادية حادة أطلق عليها اسم "الكساد العظيم"، ارتكبت ألمانيا النازية إبادة جماعية ضد الشعب اليهودي.
واعتذر السياسيون الألمان بعد ذلك مراراً وتكراراً عن مذبحة الشعب اليهودي. واعتذر الرئيس الحالي للأمة الألمانية "فرانك فالتر شتاينماير" عن الجرائم التي ارتكبتها ألمانيا ضد بولندا خلال الحرب العالمية الثانية. وفي حديثه في حفل أقيم في وارسو عام 2019 أوضح قائلاً: "أنحني حداداً على معاناة الضحايا. وأطلب العفو عن ديون ألمانيا. وأؤكد مسؤوليتنا الدائمة".
وبالمثل، اعتذر رئيس الوزراء الهولندي الحالي "مارك روته" لأول مرة باسم حكومته في عام 2020 عن جرائم الحرب ضد اليهود خلال الحرب العالمية الثانية.
وفي عام 1995، ساهمت الدول الغربية بشكل غير مباشر في الإبادة الجماعية لمسلمي البوسنة الدولة التي تقع في قلب أوروبا. وارتكبت القوات الصربية جريمة وحشية لإبادة مسلمي البوسنة تحت عين الجيش الهولندي الذي كان يشرف على الحرب آنذاك بتفويض من الأمم المتحدة.
كانت القوات المسلحة الهولندية تتمركز حول "سريبرينيتشا" المنكوبة، بوصفها قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة. وعندما حاول الآلاف من الرجال والصبية البوسنيين الفرار من القوات الصربية، كان من المتوقع أن تحميهم القوات الهولندية. لكنها بدلاً من ذلك، سلمت أكثر من 350 بوسنياً لجأوا إلى قاعدة الأمم المتحدة إلى القوات الصربية. وقضت المحكمة العليا الهولندية في عام 2019 بأن حكومتها "مسؤولة بنسبة 10%" عن مقتل هؤلاء الرجال.
وبعد أن كشفت التحقيقات عن جرائم القتل المروعة، اعتذر رئيس صربيا آنذاك "توميسلاف نيكوليتش" عن جميع "الجرائم" التي ارتكبها الصرب. لكن الحكومة الهولندية ما زالت غير مستعدة للتعبير عن ندمها ولو بكلمة على الدور المتخاذل الذي قامت به قواتها في البوسنة.
وبالمثل، فرنسا مسؤولة عن الإبادة الجماعية في رواندا ضد التوتسي. حيث دعمت باريس الحكومة التي يقودها الهوتو التي نفذت المذبحة. وتم نشر القوات الفرنسية لمنع المزيد من موجات الإبادة الجماعية داخل المنطقة الآمنة المزعومة، لكن هذه القوات مكّنت الهوتو من الهروب بأمان إلى زائير.
ولا يزال التوتر شديداً بين الحكومة الفرنسية والرواندية، لأن التحقيقات التي أجرتها اللجنة التي شكلها الرئيس الرواندي "بول كاغامي" حمّلت العديد من المسؤولين الفرنسيين رفيعي المستوى بمن فيهم الرئيس الفرنسي آنذاك "فرانسوا ميتران" ورئيس الوزراء "إدوارد بالادور" ووزير الخارجية "آلان جوبيه"، مسؤولية الإبادة الجماعية. وقام الرئيس الفرنسي "نيكولا ساركوزي" بتقديم الاعتذار في عام 2010 عن دور بلاده في المجزرة.
ولسوء الحظ، تؤكد أحدث الأمثلة أن الدول الغربية لا تزال تواصل هذه السياسة التقليدية المتمثلة في استغلال كل شيء من أجل تحقيق أهدافها. وكل طريق يؤدي إلى الهدف مباح، بالنسبة لها.
فوفقاً لنتائج التحقيق الذي استمر أربع سنوات حول قوات الدفاع الأسترالية، تأكد أن الوحدات العسكرية الاسترالية الموجودة في أفغانستان كجزء من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، ارتكبت عمداً وبشكل متكرر جرائم حرب في البلاد بين عامي 2009 و2013.
وقتلت القوات الخاصة الأسترالية بشكل غير قانوني 39 مدنيا ومزارعاً وسجيناً أثناء غزو أفغانستان. وبالطبع التحقيق كشف فقط عن بعض التفاصيل ولكن يمكن الاستدلال بسهولة على وجود العديد من الجرائم المماثلة غير الموثقة.
وكما كان متوقعاً، أعرب رئيس الوزراء الأسترالي "سكوت موريسون" عن "عميق أسفه" بشأن النتائج واعتذر وزير الدفاع الأسترالي للشعب الأفغاني.
وأسباب ارتكاب تلك الجرائم مقلقة بالفعل فالسلطات الأسترالية ذكرت أن ضباط جيشها كانوا يدربون صغار الجنود على القتل لأول مرة عندما أمروهم بإطلاق النار على الأشخاص العزل. ويُزعم أن صغار الجنود أُجبروا على إطلاق النار على المدنيين العزل ليكسروا حاجز القتل لأول مرة، وهي ممارسة تُعرف باسم "إراقة الدم".
ومن المؤسف حقاً القول إن الأمل ضئيل في أن تُعاقَب الدول الغربية على أفعال مماثلة لأن معظم هذه الجرائم مرت حتى الآن دون عقاب. ويمكن ملاحظة انتشار الأعمال غير القانونية وجرائم الحرب، إذا تم التدقيق في التدخلات العسكرية لتلك الدول.
الاعتذار عن جرائم الماضي أمر يستحق الثناء، لكن على الدول الغربية أن تعلم أن قول كلمة "آسف" لا يكفي. عليهم اتخاذ التدابير اللازمة لعدم تكرار أفعال مماثلة أثناء الأزمات التي يعاني منها العالم الآن. لكن الواقع المؤسف يؤكد أنه بينما يقول السياسيون الغربيون "آسفون" على فظائع الماضي، يواصلون ارتكاب جرائم مماثلة.