تحملت تركيا انتقادات شديدة من الغرب بسبب سياساتها الخارجية، خاصة تلك المتعلقة بالقضايا الإقليمية والأزمة السورية. كما تعمل الدول الغربية منذ اندلاع الربيع العربي عام 2011، على معاداة تركيا وتنفير العالم منها.
لقد دأبت تركيا على دعم القوى الديمقراطية في العالم العربي. وفي هذا النطاق، قامت بدعم جماعة الإخوان المسلمين والمنظمات العاملة معها أو المماثلة لها في مختلف الدول العربية. واتخذت أنقرة بصفتها قوة إقليمية نموذجية، عدة مبادرات خلال حركات الربيع العربي وساعدت الدول العربية على اتباع سياسات تتشابه مع سياسات محلية وأجنبية خاضت تجارب شبيهة وأعيد هيكلتها مؤخراً.
على العكس من موقف الغرب، فضلت تركيا الاستقرار السياسي للمنطقة وتمكين الديمقراطية الوليدة في الشرق الأوسط، وحاولت أن تساعد في دعم الاستقرار السياسي للدول الهشة مثل ليبيا وتونس ومصر. حاولت تركيا توجيه الأنظمة العربية الجديدة من خلال تطوير هياكلها الديمقراطية ولاحقاً في تعزيز نظمها الديمقراطية، فيما قام الغرب بدعم الأنظمة الملكية الاستبدادية في الخليج، مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، كذلك دعمت الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، وقدمت الدعم لبعض الجماعات السياسية الاستبدادية، مثل خليفة حفتر في ليبيا. وبمرور الوقت، أصبحت توقعات تركيا وتطلعاتها تجاه الشرق الأوسط تتناقض مع ما يعمل عليه الغرب ويدعمه في المنطقة.
بمعنى آخر، راحت تركيا تخط لنفسها سياسة خارجية مستقلة وتشارك بنشاط في التوقعات الإقليمية والعالمية. كما بدأت تطالب دول العالم بإصلاح شامل في النظام الدولي واتباع نهج شامل بعيد عن القطبية تستطيع المنصات الدولية متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة من خلاله أن تلعب دوراً أكبر. علاوة على ذلك، قامت تركيا بتنويع سياستها الخارجية وإضفاء الطابع المؤسساتي على علاقاتها مع روسيا والصين والقوى العالمية والإقليمية الأخرى.
هذه هي الأسباب الرئيسية وراء قيام الدول الغربية بعزل تركيا والنفور منها على مدار العقد الماضي. من حيث المبدأ، لم تشكك تركيا مطلقاً في علاقاتها الطويلة مع الغرب. لكن وبالرغم من عضويتها في المنظمات الإقليمية الغربية مثل حلف شمال الأطلسي والمجلس الأوروبي وعضوية الاتحاد الأوروبي، استمرت الدول الغربية بتبني النظرة السلبية تجاه تركيا، وواصلت اتخاذ التدابير ضد أنقرة. وهنا لا بد أن أشرح بإيجاز العديد من الأسباب الرئيسية للسياسات المعادية لتركيا في الدول الغربية.
فالدول الغربية تحاول بشدة عرقلة مساعي تركيا لأن تكون مستقلة في سياستها الخارجية لأنهم يريدونها أن تظل تحت سيطرتهم، وبالتالي يريدون التصدي لأية خطوة تتخذ نحو مزيد من الاستقلالية. على سبيل المثال فرضت الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة عقوبات على تركيا لشرائها نظام الدفاع الجوي إس-400. وبالمثل، لا تستطيع تركيا تحسين علاقاتها التجارية مع إيران بسبب العقوبات الأمريكية.
ومن أجل تحجيم الفعالية الإقليمية لتركيا، حاولت الدول الغربية إنشاء كتلة إقليمية معادية لها في المنطقة. يشهد على ذلك التقارب الأخير بين كل من إسرائيل وبين السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، لأن هذه الدول تستفيد من عدم الاستقرار السياسي الإقليمي وهي تتغذى على خلق سياسة الأمر الواقع في المنطقة. كما قامت دول الغرب بخلق كتلة أخرى معادية لتركيا في شرق البحر المتوسط تتكون من إسرائيل ومصر واليونان. حيث تحاول هذه الدول بدعم من الغرب، تشكيل منتدى شرق البحر المتوسط كمنصة للطاقة بهدف عزل تركيا في المنطقة. بالإضافة إلى أن الدول الغربية تلقي باللوم على تركيا في أنشطتها المشروعة للتنقيب عن الغاز شرق البحر المتوسط، متخذين تدابير ضد المصالح التركية ومتجاهلين الأنشطة غير القانونية للجهات الفاعلة الأخرى.
وتصر الدول الغربية أيضاً على دعم القوات المناهضة للأتراك في المنطقة، بما في ذلك الجماعات الإرهابية. وقد عارض المسؤولون الغربيون والبيروقراطيون والأكاديميون والمفكرون التدخل العسكري التركي ضد ي ب ك/بي كا كا الإرهابي وتنظيم "ب ي د" شمال شرق الفرات رغم أنها تدرج الـ بي كا كا كمنظمة إرهابية على لوائحها. إلا أنها، وكذلك الولايات المتحدة بشكل خاص تواصل دعمها لتلك الميليشيات الدموية ضد تركيا. ولم تبالِ الدول الغربية بمقتل أكثر من نصف مليون مدني في سوريا، لكنها اليوم تتهم تركيا بانتهاك حقوق الإنسان. وهذا يعني أن معاقبة تركيا هي أولويتهم ولا يكترثون لإزهاق أرواح البشر.
إذا أمعنا النظر في التطورات الإقليمية والعالمية الأخرى، فإننا نجد صعوبةً في فهم مشاعر العداء للأتراك في الغرب. فالدول الغربية تتجاهل بإصرار ظهور التطرف القومي وتفوق البيض وكره الأجانب وكراهية الإسلام والعنصرية والشعبوية، أو هي لا تقوم بالإجراءات اللازمة لمواجهة ذلك.
كذلك لا توجد وحدة أوروبية إذ تواصل الولايات المتحدة من خلال سياستها الخارجية الأحادية نسف الجهود الأوروبية المتعددة الأطراف. إضافة إلى أن الاتحاد الأوروبي على وشك الانهيار بسبب كل التطورات المناهضة لقيامه.
إن التركيز على تركيا يعني تجاهل السياسات الصعبة والتحديات التي تواجه القوى العالمية. كما أن العديد من الدول الأوروبية مثل ألمانيا تحاول كتركيا اتباع سياسات خارجية مستقلة بالرغم من أنها لا تزال مرتبطة بشكل كبير بالولايات المتحدة التي لا تسمح لها بالخروج عن مدارها. بالنتيجة، يبدو أن العقلية الغربية مشوشة ولا تعرف كيف تتفاعل مع التطورات الإقليمية والعالمية.