أرسلت تركيا طائرات محملة بالمستلزمات الطبية إلى المملكة المتحدة لمساعدة الكوادر الطبية العاملة في الصفوف الأمامية في كفاحهم ضد كوفيد-19. وغادرت يوم الجمعة طائرة شحن عسكرية تركية تحمل معدات طوارئ من أنقرة، وهبطت في لندن، ثم أعقبتها طائرة أخرى يوم السبت. وقد شملت المعدات المشحونة أقنعة جراحية ودروع وجهية ومطهرات ومواد تعقيم وغيرها، وكتبت على الأغلفة الخارجية لطرود المساعدات عبارة ذات معنى عميق، منسوبة إلى مولانا جلال الدين الرومي، المتوفي عام 1273 في قونية تقول: "هناك أمل بعد اليأس والعديد من الشموس بعد الظلام".
وأفادت وكالة أناضول للأنباء أن "دومينيك راب"، سكرتير المملكة المتحدة للشؤون الخارجية وشؤون الكومنولث، شكر تركيا على مساعدتها، كما وصف وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" الخطوة بأنها "مؤشر على صداقة قوية بين البلدين".
وكانت وسائل الإعلام البريطانية أوردت تقاريراً حول نفاد معدات الحماية الشخصية التي يحتاجها الطاقم الطبي في المملكة المتحدة، مع حاجة ماسة إليها لمحاربة جائحة كوفيد-19. وجاء في التقارير أن نقص المعدات الطبية يمثل كارثة وشيكة بالنسبة للعاملين في الحقل الصحي الذين يكافحون على الخطوط الأمامية ضد الفيروس المستجد.
كذلك تبرعت تركيا في الأسابيع الماضية بمعدات طبية للعديد من البلدان، بما في ذلك إيطاليا وإسبانيا، الدولتان الأوروبيتان الأكثر تضرراً من الوباء. ووصلت طائرة شحن من طراز "A-400M" تابعة للقوات الجوية التركية تحمل مساعدات منحتها تركيا إلى إسبانيا وإيطاليا في الأول من أبريل، كجزء من جهود حلفاء الناتو للاستجابة لوباء كوفيد-19. وذكرت التقارير أن الإمدادات الطبية التي تبرعت بها تركيا لإسبانيا وإيطاليا تتألف من معدات حماية شخصية ومطهرات، وتشتمل على450.000 قناع واقي.
ورحب الأمين العام لحلف الناتو "جينس ستولتنبرغ" بهذا الإجراء الذي يعتبر مثالاً على تضامن دول الناتو في العمل، قائلاً أنه "فخور برؤية حلفاء الناتو يدعمون بعضهم البعض من خلال مركز الإغاثة ضد الكوارث". وشكرت إيطاليا وإسبانيا تركيا على مساعدتها. وجاء إرسال تركيا للإمدادات الطبية بعد أن طلبت إيطاليا وإسبانيا المساعدة عبر مركز تنسيق الاستجابة للكوارث الأوروبية الأطلسية التابع لحلف شمال الأطلسي، وهو آلية الحلف الرئيسية لمواجهة الكوارث.
كما أرسلت تركيا، 500.000 وحدة اختبار لفيروس كورونا إلى الولايات المتحدة بناء على طلبها، حسبما ذكر وزير الصحة التركي فخر الدين قوجة.
إلى جانب ذلك، أرسلت تركيا مساعدات إلى خمس دول في البلقان، هي صربيا ومقدونيا الشمالية وكوسوفو والبوسنة والهرسك والجبل الأسود.
وفي مارس، وقعت تركيا اتفاقية مع إيران، التي تضررت بشدة من جائحة كوفيد-19، تقضي بالتبرع بمستلزمات الرعاية الصحية، ومد يد العون إلى البلد الجار، الذي يرزح تحت نير عقوبات حشرته في زاوية ضيقة. وقالت وزارة الصحة التركية على موقعها على الإنترنت إنه في إطار هذه الاتفاقية تم التبرع لإيران بـ 1000 وحدة اختبار تشخيصية و 4.715 بدلة واقية و 20.000 معطف طبي و 4000 قناع من نوع "N95" و 75.000 قناع ثلاثي الطبقات.
ووفقاً لبيان صادر عن مديرية الاتصالات التركية، أجرى الرئيس رجب طيب أردوغان بصفته مؤيداً قوياً للقضية الفلسطينية، مكالمة هاتفية مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس قال فيها أن تركيا تدعم فلسطين في حربها ضد انتشار الوباء.
بالإضافة إلى ذلك أرسلت تركيا إمدادات طبية إلى كل من ليبيا وتونس وبعض البلدان الأخرى.
إن جميع المساعدات الطبية التي تبرعت بها تركيا وأرسلتها هي جزء من مساهماتها في مكافحة الفيروس المستجد الذي بدأ في الصين وانتشر في جميع أنحاء العالم. وتم منح وزارة الصحة التركية الإذن بتوقيع اتفاقيات صحية "نيابة عن الجمهورية التركية للتبرعات العينية بالعديد من المعدات والأجهزة الطبية والإمدادات إلى 86 دولة في عام 2020 بموجب قرار رئاسي".
وخلال كلمته المتلفزة في اجتماعٍ لقادة الكتلة الاقتصادية لمجموعة العشرين من أجل جائحة كوفيد-19، دعا أردوغان قادة العالم إلى مساعدة الأفراد والهيئات والبلدان الأكثر ضعفاً وسط الوباء العالمي.
وقال: "لا يمكن لأي بلد أن يطبق السياسات الوقائية بشكل أحادي الجانب"، ودعا جميع الدول للمشاركة في المعركة ضد هذه الأزمة الصحية العالمية حتى تتنفس البشرية كلها الصعداء.
وفي الوقت الحالي، تقع البلدان الغنية والمتقدمة في مركز الجائحة القاتلة، مما يدل على أننا جميعاً بحاجة إلى مساعدة بعضنا البعض ليس اليوم فقط ولكن دائماً. نحن على متن سفن مختلفة تواجه جميعها العاصفة نفسها، لكن هذا لا يعني أن نواجه هذا الوضع منفردين. كما أن هذا لا يعني أن تقتصر مساعدتنا لبعضنا على مواجهة هذا الوباء فقط. نحن قادرون على النصر في حربنا ضد الفيروس ومنع الخسائر الفادحة في الأرواح. لكن السؤال الأهم هو، هل سنتعلم من الأزمة التي مررنا بها؟
يوصف الوضع العالمي اليوم بأنه "أكبر أزمة إنسانية في حياتنا". بمعنى أن العالم يواجه الآن أعلى مستوى من المعاناة الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية. وأصبح حوالي 150 مليون شخص حول العالم بحاجة إلى المساعدة والحماية الإنسانية، لكن النظام العالمي، الذي كان من المفترض أن يمنع وقوع الأزمات، تخلى حتى عن التعاطف مع المتضررين في البلدان المتقدمة.
ووفقاً لتقارير رسمية، تحتل تركيا المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة بمساعدتها الإنسانية، وتبلغ النفقات الإنسانية للبلاد ما يقرب من 1% من الناتج المحلي الإجمالي. بالإضافة إلى ذلك، تستضيف تركيا أكبر عدد من اللاجئين في العالم، كما تظهر الأرقام الرسمية. وهذا يشير أن تقديم المساعدات الإغاثية والإنسانية يمثل جوهر السياسة الدولية لتركيا بشكل دائم وليس فقط في مكافحة الفيروس المستجد.
دأب الرئيس أردوغان على مدى سنوات وبلا كلل، على القول بأن هناك حاجة لمراجعة النظام العالمي الحالي، وذكر أن هيكل النظام العالمي هو السبب الرئيسي لفشله. كما أن الكثير من التنبؤات تنتشر على وسائل الإعلام العالمية هذه الأيام حول مستقبل النظام العالمي الجديد في أعقاب الوباء العالمي. واليوم يتضح لنا كم نحن بحاجة لبعضنا البعض. هذه فرصة عظيمة للتعاطف مع الناس الذين يعانون من أمراض مزمنة وأخرى وبائية في إفريقيا، أو أولئك الذين يموتون تحت القنابل وفي الحروب التي لا تنتهي، أو الدول الفقيرة التي لا تستطيع تقديم المساعدة لشعوبها. ربما يمكننا أن نجعل العالم مكانا أفضل للعيش بعد هذه الأزمة الصحية، إذا استطعنا التعلم منها...