قام وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف بزيارة رسمية إلى أنقرة هذا الأسبوع. قبل يوم واحد فقط من هذه الزيارة، كان ظريف في العاصمة السورية دمشق حيث قابل الديكتاتور السوري بشار الأسد.
وتأتي زيارته إلى دمشق وأنقرة قبل جولة جديدة من المحادثات في كازاخستان (أستانا)، والتي انطلق أول اجتماع لها في يناير 2017 من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في سوريا.
ومعروف أن تركيا وروسيا وإيران هي الدول الضامنة لعملية منع التصعيد في سوريا، منذ ذلك الحين. وهذا رغم حقيقة أن روسيا وإيران تدعمان الجزار الأسد، وأن تركيا حاولت حماية المدنيين السوريين الذين فروا من ديارهم منذ عام 2011.
وقد كانت تلك المحادثات مهمة لتركيا في جوانب أخرى، منذ أن تخلت الولايات المتحدة، الحليف في الناتو، منذ عهد إدارة أوباما، عن تركيا مع تصاعد المخاطر على الحدود وقرارها دعم تنظيم "ب ي د/بي كا كا" الإرهابي.
وكما هو معروف، فإن "بي كا كا" ليس تنظيماً إرهابياً في نظر تركيا فقط، بل هو مصنّف أيضاً كتنظيم إرهابي أجنبي من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
بعد زيارة ظريف في 16 أبريل، أدلت دمشق ببيان وقالت إن ظريف والأسد ناقشا "الجولة القادمة من محادثات أستانا وأهمية التواصل الدائم بين دمشق وطهران لمواصلة التعاون". محادثات أستانا القادمة -التي أعيدت تسميتها مؤخراً نور سلطان- ستكون يومي 25 و 26 أبريل.
في بداية المحادثات، لم تكن طهران حريصة على المشاركة في عملية خفض التصعيد، لكنها في النهاية جلست إلى الطاولة لأن روسيا كانت هناك. وطهران هي الحامية الرئيسية للأسد، حتى أكثر من موسكو، منذ بداية الانتفاضة في البلاد التي تحولت بسرعة إلى حرب أهلية مدمرة.
كان هناك الكثير من تضارب المصالح بين إيران وروسيا على الأرض، منذ أن تمت دعوة روسيا للحضور والانضمام إلى الحرب في سوريا بدلاً من تقديم الدعم من الخارج، وهو ما قبل به بوتين فورا.
وتزداد يوما بعد يوم، حالات عدم التنسيق بين روسيا وبين الميليشيا المدعومة من إيران والتي تحارب إلى جانب الأسد، كما تزايدت التكهنات بأن روسيا ستجبر إيران على الخروج من سوريا.
مؤكد أن مثل هذه الأنباء تُفرح إسرائيل والولايات المتحدة، خاصة بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخير تصنيف فيلق الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية.
كانت الميليشيات المدعومة من إيران وحزب الله المدعوم أيضاً من إيران، أول من دخل سوريا لمساعدة نظام الأسد في مواجهة مقاتلي المعارضة السورية وإراقة الدماء في الداخل. كان قاسم سليماني، وهو جنرال كبير في الحرس الثوري الإيراني والقائد المشهور لفيلق القدس- وهي فرقة مسؤولة بشكل أساسي عن العمليات العسكرية والسرية التي تقوم بها إيران خارج الحدود الإقليمية- هو العقل المدبر وراء الهجمات المدعومة من إيران ضد مقاتلي المعارضة السورية، ومستشار نظام الأسد في تحديد المهمات الاستراتيجية لهزيمة المعارضة. كما أفيد أن سليماني كان المبعوث الذي ذهب إلى موسكو ودعا بوتين للانضمام إلى المعركة عام 2015، بعد أن فقدت إيران الكثير من الرجال بمن فيهم الجنرالات، على الأرض أثناء الاشتباكات.
كان واضحا تماما أنه ستكون هناك مشاكل فيما يتعلق بالسيطرة على الأراضي في سوريا، بين روسيا وإيران، وكذلك في تحديد مستقبل سوريا بعد أن غيّرت الدولتان ميزان الحرب معاً. على سبيل المثال، عندما هاجمت الطائرات الحربية الإسرائيلية قواعد تابعة لفيلق القدس الإيراني، لم تفعل روسيا شيئاً لمنعها. بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من التقارير التي تزعم أن روسيا وإسرائيل لديهما اتفاق حول وجود إيران في سوريا. تبعاً لذلك، ستحاول روسيا أن تكبح إيران قدر المستطاع، بينما لن تهاجم إسرائيل النظام السوري حتى تبدأ روسيا في إنهاء اللعبة. إذا كانت هذه الشائعات صحيحة، فيمكننا القول إن إيران أصبحت الآن معزولة أكثر فأكثر في البلد الذي مزقته الحرب.
الأزمة في صفوف قوات الأسد:
الأهم من ذلك أن التوترات بين كتائب الأسد تظهر النزاعات المتنامية بين القوات المدعومة من إيران، والقوات المدعومة من روسيا على الأرض. ووفقاً للمصادر الموجودة ميدانيا، وقع قتال دموي مؤخراً باستخدام أسلحة ثقيلة في حماة بين الجماعات المدعومة من روسيا وتلك المدعومة من إيران على مناطق النفوذ. كما زعمت المصادر أن روسيا قد سيطرت على الجبهات وأنها منحت القوة العسكرية للعميد سهيل الحسن، الذي كان معروفاً بأنه رجل موال للأسد، لكنه أصبح الآن رجلاً موثوقاً به في موسكو، بسبب طاعته للأوامر الروسية. وقيل إن روسيا بعد أن سيطرت على قاعدة أبو الضهور الجوية، قامت بسحب قواتها منها وسلمت الموقع إلى الحسن.
تبعا لذلك، توترت العلاقة بين سهيل الحسن وماهر الأسد، شقيق بشار الأسد، وهو قائد بارز آخر في جيش النظام السوري. ويتهم ماهر العميد الحسن بأنه خائن، مع الإشارة إلى أن الحسن توقف عن أخذ أي أوامر من وزير الدفاع السوري منذ زمن.
لهذا السبب، كانت رحلة الأسد إلى طهران في نهاية فبراير، بمثابة رسالة إلى موسكو مفادها أن طهران لن تتخلى عن الأسد.
خلال لقائه بالزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي، كان اللواء قاسم سليماني جالساً بجانب الأسد. هذا الإطار جعلنا نتذكر زيارة بوتين المفاجئة لقاعدة الحميميم الروسية الجوية في اللاذقية، حيث تمت معاملة الأسد وكأنه موظف حكومي من الرتب المنخفضة. هذه علامات أخرى على الخلافات بين روسيا وإيران حول مصير سوريا، ومصير الأسد خاصة.
وقد أعلن وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف استقالته في ليلة ذلك الاجتماع، إنما لم يتم قبولها. هو لا يزال في اللعبة، ربما لأنه كان الشخصية القيادية لإيران خلال المفاوضات النووية مع الدول الخمس زائد واحد. بعد انسحاب ترامب من صفقة أوباما النووية وزيادة الضغط على إيران بالعقوبات يوماً بعد يوم، أصبح السؤال الحاسم لإيران حول كيفية رد فعل الدول الأوروبية بعد تحدي ترامب. على الرغم من أن دول الاتحاد الأوروبي بدت وكأنها لا تتقاسم نفس الفكرة مع الولايات المتحدة، إلا أننا لا نعرف ما إذا كانت ستغير رأيها بعد المحادثات التجارية المتعلقة بالاتحاد الأوروبي. إذا سارت المحادثات التجارية على ما يرام، يمكن لإيران أن تجد نفسها وحيدةً في الصحراء، بمشاكل مالية لا تطاق، إلى جانب قضاياها الداخلية.
معلوم أن ترامب يريد خفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، وقد شجع المنتجين مثل المملكة العربية السعودية على ضخ المزيد لمواجهة هذا النقص. بعد العقوبات الأولى التي فرضها ترامب على إيران، أبرمت روسيا صفقة خاصة مع المملكة العربية السعودية للمساعدة في زيادة إنتاج النفط، بغرض تهدئة ارتفاع الأسعار. ثم اتهمت إيران المملكة وروسيا بخرق اتفاقية منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، بشأن خفض الإنتاج بإنتاج المزيد من النفط الخام، مهددةً البلدين أنهما غير قادرين على إنتاج ما يكفي للتعويض عن خفض صادرات النفط الإيرانية. بينما ترتفع أسعار النفط بسبب التخفيضات التي تقودها أوبك، وكذلك العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران وفنزويلا، واستئناف القتال في ليبيا.
أجندة واشنطن:
يخطط البيت الأبيض لتشديد العقوبات على إيران وفنزويلا بشكل كبير، ومن المقرر اتخاذ القرار التالي بشأن فرض عقوبات على إيران في الأسبوع الأول من شهر مايو. على ترامب الآن أن يقرر إن كان سيسمح بارتفاع أسعار النفط ووصولها إلى أعلى مستوى لها في العام، أو التنازل عن التصعيد ضد إيران. بصراحة، من المحتمل أن يكون قراره مرتبطاً بشكل مباشر بزيادة الإنتاج في المملكة العربية السعودية، وبشكل غير مباشر مع روسيا، لأن الطاقة الإنتاجية للمملكة العربية السعودية لن تكون كافية لاستبدال البراميل المفقودة.
لهذا السبب، فإن زيارة ظريف لأنقرة بعد لقائه مع الأسد في دمشق مهمة حقاً، لأن تركيا يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في معركة الطاقة هذه.
قبل أن يستقبله الرئيس أردوغان في المجمع الرئاسي حيث عقدا اجتماعاً مغلقاً استمر لأكثر من ساعة، قال ظريف للصحفيين في تعليقات مترجمة: "لقد أجريت مقابلة مطولة مع بشار الأسد. سأقدم تفاصيل هذه المناقشات إلى السيد أردوغان".
لا نعرف ما عرضه ظريف على الرئيس أردوغان، لكن من الواضح أن إيران بحاجة إلى مساعدة تركيا، لأنها تجد نفسها في زاوية ضيقة. تستطيع تركيا مساعدة إيران فيما يتعلق بصادراتها من الطاقة، كما فعلت في الماضي. لكن المشكلة بالنسبة لإيران هي أنها تحاول إنقاذ الأسد بينما تحاول مقاومة العقوبات الأمريكية، والبقاء على قيد الحياة في المعركة الاقتصادية مع الولايات المتحدة.
رأي أردوغان:
إذا كان ظريف جاء بالعروض الإيرانية السابقة مثل السماح للأسد بالسيطرة على الحدود السورية الشمالية مع تركيا، فلا أعتقد أن هذا سيكون كافياً للرئيس أردوغان. تريد تركيا دحر عناصر "ي ب ك" التي تدعمها الولايات المتحدة وغيرها من العناصر الإرهابية، بعيدأ عن حدودها، لكن أردوغان لن يثق بالأسد أبداً، أو حتى بإيران في سوريا بعد كل ما حدث في السنوات الثمانية الماضية. لن تكون أنقرة راضية عن هذا العرض لأننا نعلم أن الرئيس أردوغان ليس هو الشخص الذي ينسى ما فعله الأسد على مدى سنوات في سوريا، بما في ذلك أنه أول من أعطى شمال سوريا إلى تنظيم "ي ب ك" الإرهابي عام 2012. الأسد جزار في نظر أردوغان ولن يتغير أبداً وإن كان العديد من المحللين المؤيدين للأسد يقولون عكس ذلك.
منذ أن شعرت إيران أن روسيا طعنتها بالظهر في سوريا وفي حربها الاقتصادية مع الولايات المتحدة، أدركت أن عليها أن تجد طريقة أخرى للبقاء على قيد الحياة. وهي تحاول ذلك اليوم بمد يدها إلى تركيا. علاوة على ذلك، نجد روسيا غير حريصة على تعويض احتياجات سوريا من الطاقة، بينما تتحمل إيران هذا العبء مجاناً. لذلك يتعين على إيران تقديم عرض قيّم لتركيا هذه المرة، دون تلاعب مثلما فعلت في الماضي.
من ناحية أخرى، تحتاج إدارة ترامب أيضاً إلى تركيا، كيلا تضطر إلى التّراجع عن حربها الاقتصادية ضد إيران. إذا استمرت الولايات المتحدة في تهديد تركيا بسبب شراء منظومة الإس-400 وبعض العقوبات، فسوف تستمر تركيا في الرد بالمثل، وربما تقبل العروض التي تقدّمها إيران لها. قد يضع ذلك تركيا في موقف صعب لبعض الوقت، لكن ترامب أيضاً لن يكون قادراً على التحكم في أسعار النفط، وسيخسر مصالحه في التصعيد ضد طهران. علاوة على ذلك، يمكن أن تبدّد إدارة ترامب صفقة روسيا مع السعودية للتعويض في إنتاج النفط، إذا ما عرقلت صفقة الإس-400 لتركيا مع روسيا. سنرى ما سيحدث بعد ذلك في هذه الدورة سريعة التغير، لكن يبدو أن تركيا سيكون لها الكلمة الأخيرة في هذه اللعبة المجنونة.