أدى انخفاض سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي، إلى إعادة اشتعال الجدل حول الانتخابات المبكرة بين الحكومة والمعارضة التركية، والتي حاولت على مدار سنوات النيل من حزب العدالة والتنمية الحاكم، لكنها فشلت في ذلك، واليوم تعود المعارضة وتستخدم نفس الأجندة، في محاولة لخلق زخم جديد، وإثارة الرأي العام ضد الحكومة.
فمؤخراً دعا تحالف الأمة المكون من "حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد " المعارضين، إلى إجراء انتخابات مبكرة، وهو ما رفضه تحالف الشعب المكون من حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان، وحزب الحركة القومية بزعامة "دولت بهجلي"، وقال أردوغان: "إنه من "البدائي" إجراء انتخابات كل 15 إلى 20 شهراً"، مؤكداً أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ستجرى في يونيو/حزيران 2023، وهو ما أكده بهجلي بأنه "لا توجد انتخابات مبكرة".
فهل الوضع الاقتصادي في البلاد كافٍ لتشكيل استطلاعات الرأي؟
لا شك أن الاقتصاد هو أحد العوامل الرئيسية التي تشكل سلوك الناخبين، لكن هذا لا يعني أن المعارضة يمكنها الحصول على المزيد من دعم الناخبين لأسباب اقتصادية فقط، فعلى سبيل المثال، أظهر مسح أجرته شركة MetroPOLL (شركة أبحاث مقرها تركيا)، أن "نسبة الأشخاص الذين يعتقدون أن أحزاب المعارضة يمكن أن تحل مشاكل الشعب الاقتصادية حال وصولها إلى السلطة" آخذة في الانخفاض منذ فبراير/شباط الماضي. وأظهرت النتائج في ذلك الوقت عندما كان الدولار الأمريكي 7.40 ليرة تركية، أن معدل أولئك الذين يعتقدون أن "المعارضة ستحل المشاكل الاقتصادية" 42%، بينما انخفضت هذه النسبة في أكتوبر/تشرين الأول، عندما بلغ الدولار الأمريكي حوالي 10 ليرات، لتصل إلى 38%.
وهنا لا بد من تأمل الإجابات حول من يستطيع إدارة الاقتصاد بشكل أفضل؟
من خلال المسح تبين أن 38% من الأشخاص الذين أجابوا على هذا السؤال اختاروا أردوغان، وجاءت نسبة رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال قليجدار أوغلو 11% بالرغم من أنه أقرب منافس للرئيس أردوغان.
ومن المتوقع مع ارتفاع سعر الدولار وزيادة التضخم، أن تنخفض الثقة في الحزب الحاكم، بينما ستفقد المعارضة الدعم بشكل كبير، علاوة على ذلك، دعونا لا ننسى أننا نتحدث عن حكومة ومعارضة مستمرتان في نفس المناصب منذ 20 عاماً، ما يجعل الصورة تتضح أكثر بأنه حتى ناخبي المعارضة لا يرون حلاً لمشاكلهم الاقتصادية في المعارضة، وأنه إذا تم فعل شيء ما، فإنهم يعتقدون أن أردوغان يمكنه فعل ذلك مرة أخرى. وقد يبدو هذا التفكير غريباً، لكن سببه الأساسي يكمن في أن الناخبين يعتقدون أن أجندة أردوغان الانتخابية كالأهداف المحددة للنمو والتوظيف، واعدة للمستقبل بالرغم من أن تفضيلاته الاقتصادية لم تسفر عن النتائج المرجوة في الآونة الأخيرة.
أما عن صورة قليجدار أوغلو الانتخابية، فيعتقد الناخبون أن المعارضة ليس لديها خرائط طريق محلية أو مستقلة لحل المشاكل التي يشكون منها.كما صنّف الناخبون بعض خطابات المعارضة على أنها "غير وطنية"، ومن الأمثلة على ذلك تهديد قليجدار أوغلو بعدم دفع أموال المستثمرين المحليين ولا الأجانب إذا ما وصل إلى السلطة، ومن الأمثلة الأخرى رسالة قليجدار أوغلو إلى السفراء التي تدعوهم إلى وقف المشاريع العملاقة في البلاد مثل قناة إسطنبول، والتي فُسِرت أيضاً على أنها "غير وطنية".
ومع أن الأتراك ينظرون مثل جميع الناخبين في العالم، إلى جيوبهم بالدرجة الأولى عند التصويت، إلا أنهم معروفون أيضاً بأنهم مغامرون. فمنذ عام 1950 عندما بدأت تركيا نظاماً متعدد الأحزاب، لم تتمكن أية تقلبات اقتصادية من تغير سلوك الناخبين لصالح التشكيلات السياسية التي يُنظر إليها على أنها "غير وطنية"، وما لم تتوقف أحزاب المعارضة في تركيا عن قراءة هذه الصورة باعتبارها "غير عادلة"، فستحتاج مرة أخرى إلى ضربة حظ لإسعافها في انتخابات 2023 المقبلة.