شهدت العلاقات بين تركيا والإمارات العربية المتحدة تحسناً ملحوظاً في الآونة الأخيرة بعد اضطرابها المتواصل بسبب أحداث الربيع العربي. ويتوقع البلدان إحراز المزيد من التقدم في المجال السياسي والاقتصادي بينهما.
وفي بث مباشر على التلفزيون التركي، صرح وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو أن هناك زخماً إيجابياً في العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة، وأضاف: "إذا استمرت الأمور على هذا النحو، فستكون العلاقات على المسار الصحيح".
ومع أن تصريح تشاوش أوغلو يبدو حذراً بعض الشيء لكنه وبالنظر إلى مستوى التوتر بين البلدين على مدى العقد الماضي، يسود شعور لدى الأكثرية أن عقبات هامة قد تم تجاوزها في طريق المصالحة.
والواقع أن العلاقات الثنائية التي بدأت تتدهور في خضم موجة أطلق عليها اسم "الربيع" العربي الذي أغرق المنطقة في "شتاء" مظلم، لم تتحسن منذ ذلك الوقت. كما زاد دعم أبو ظبي لمحاولة الانقلاب في 15 يوليو/ تموز 2016 في تركيا على وسائل التواصل الاجتماعي التوتر وأوصله إلى مستويات غير مسبوقة.
ومع وصول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي أطلق يد الخليج بدعم مالي مفتوح، إلى السلطة، صعّدت الإمارات من صراعها ضد تركيا في المنطقة، كونها تشعر بالقوة لاعتمادها على الولايات المتحدة، واتخذت موقفاً معارضاً لأنقرة في دول مثل ليبيا وسوريا واليمن حيث تستمر الحروب بالوكالة.
لكن فوز الرئيس جو بايدن الذي انتقد بشدة سياسات ترامب الخليجية بالسلطة في الولايات المتحدة لوحظت نتائجه بالفعل من خلال تغييرات حقيقية في الخليج والشرق الأوسط، انتهت على أثرها أزمة الخليج في يناير/ كانون الثاني 2021. وبدخول الصين وروسيا في المعادلة بعد الفراغ الذي نشأ، راحت توازنات جديدة تتشكل في المنطقة، وبدأت دول الخليج بالتطبيع الواحدة تلو الأخرى.
وتتفاوض السعودية حالياً مع إيران في العراق لتحسين علاقاتها، كما أنهم في السابق رفعوا الحظر المفروض على قطر وأعطوا إشارات بأنها تسعى إلى التطبيع.
وبالإضافة إلى المملكة العربية السعودية، اتخذت مصر وإسرائيل أيضاً إجراءات لإنشاء مستوى جديد من العلاقات مع تركيا. فهل تدخل المنطقة في عصر جديد؟
وفقاً لهذه الظروف المستجدة ليس من المستغرب أن تحاول الإمارات استعادة علاقاتها مع تركيا خاصة بالنظر إلى تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين قطر والإمارات بعدما وصل التوتر بينهما إلى حد مهاجمة بعضهما البعض بأفلام دعائية من صنع هوليوود.
وفي هذا السياق، فإن العملية التي بدأت بمكالمة هاتفية بين وزيري خارجية الإمارات العربية المتحدة وتركيا في أبريل/ نيسان الماضي تسير في اتجاه إيجابي. كما تصدر إشارات من جانب الإمارات العربية المتحدة تعكس تعريفاً سلبياً للسياسيين المعروفين بمعارضتهم لتركيا في الصحافة.
لكن مما لا شك فيه أن أقوى خطوة نحو إرادة التطبيع شوهدت من مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، الذي زار أنقرة في 18 أغسطس/ آب والتقى بالرئيس رجب طيب أردوغان. وكان أعلى اجتماع تم بين البلدين عام 2016 هو المكالمة الهاتفية بين أردوغان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في 31 أغسطس/ آب.
العلاقات الاقتصادية
لم تنقطع العلاقات التجارية بين الإمارات وتركيا بشكل تام رغم الأزمة، وتشكل هذه العلاقات اليوم دعامةً رئيسيةً من دعامات التطبيع، إذ يهدف البلدان إلى مضاعفة حجم التجارة بينهما، والذي يبلغ حالياً حوالي 9 مليارات دولار.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الإمارات مثل دول الخليج الأخرى، تبحث عن دخل غير نفطي مع انخفاض أسعار النفط ولذلك تبدو اليوم في أمس الحاجة إلى شريك تجاري مثل تركيا.
ويأمل المراقبون أن تفهم أبو ظبي أن المصالحة مع تركيا التي لها تأثير كبير في أذربيجان وسوريا وليبيا وفلسطين والبلقان وأخيراً أفغانستان، هي أكثر فائدة من العداء.
وأنه من مصلحة الشعبين أن تعود علاقات الإمارات ثاني أكبر اقتصاد في المنطقة، مع لاعب عملاق مثل تركيا إن لم يكن أكثر من السابق فعلى الأقل إلى مستواها قبل الثورات العربية.