يشهد المجتمع الدولي، الذي قام بعد الحرب العالمية الثانية، انهيار جميع مؤسساته تقريباً بسبب تفشي كوفيد-19. وصرح الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريس" مؤخراً بأن العالم يواجه أصعب أزمة منذ الحرب العالمية الثانية بسبب هذا الوباء. وبالرغم من انتشار المرض في جميع أنحاء العالم، إلا أن الأمم المتحدة لم تفعل حتى الآن أكثر من إطلاق دعوة لجمع الأموال على الصعيد العالمي. بالإضافة إلى توصيات تنصح من خلالها دول مجموعة العشرين بمساعدة إفريقيا.
ولم تعد منظمة الصحة العالمية حساسة تجاه تفشي المرض كما كانت في الأيام الأولى لانتشار الوباء في الصين، بالإضافة إلى غياب الرأي القطعي الواضح حول استخدام الأقنعة. وقد أعلن المتحدث باسم المنظمة "طارق جاساريفيتش" مؤخراً بأنه يجب على كل دولة أن تقرر ما عليها فعله "وفقاً لظروفها الخاصة" و"تطور الوباء".
ألا تبدو هذه الاقتراحات مفيدة للغاية؟
من ناحية أخرى، توضح دعوة إسبانيا دول الناتو لمساعدتها موقف الحلف من الأمر. إذ طلبت إسبانيا مؤخراً إمدادات طبية عاجلة من مركز تنسيق الاستجابة للكوارث الأوروبية الأطلسية "EADRCC" التابع لحلف الناتو، للمساعدة في مكافحة تفشي كوفيد-19. إلا أن مسؤولو الناتو استجابوا لدعوة إسبانيا سلباً، قائلين إن الحلف ليس لديه مخزون من أجهزة التنفس أو المعدات الطبية المماثلة، وأن المسؤولية الرئيسية تقع على عاتق الحكومات الوطنية. وأوضحوا أنه في حال طلب المساعدة من خلال مركز التنسيق، فستقتصر مهمته على إرسال تقارير إلى دول الحلف التي قد ترسل المساعدات وقد لا ترسل.
وفي ذلك الوقت بالذات، كانت المركبات العسكرية التابعة للجيش الروسي في طريقها بالفعل لتقديم المساعدة إلى إيطاليا الدولة العضو في الناتو.
وبذلك نجد أن الاتحاد الأوروبي، أحد اللاعبين الرئيسيين في النظام العالمي الجديد الذي تم بناؤه بعد الحرب العالمية الثانية، فشل بالفعل في أول اختبار يتعرض له، تاركاً دولاً مثل إسبانيا وإيطاليا، اللتان تضررتا بشدة من تفشي المرض، تواجهان بمفردهما الوباء، بل تجاهل الاتحاد مطالب هذه البلدان بالمساعدة. وبلغ الإحباط مبلغاً كبيراً لدرجة أن الناس في إيطاليا راحوا يزيلون أعلام الاتحاد الأوروبي من لوحات سياراتهم.
كما عبّر رئيس الوزراء المجري "فيكتور أوربان" عن إحباطه من الاتحاد الأوروبي، قائلاً: "من الضروري أن نقرّ أن المساعدة لا تأتي من أوروبا. لقد تلقينا مساعدة من الصين وطلبنا من المجلس التركي، الذي تمثل المجر عضواً مراقباً فيه مساعدة بلادنا، وبالفعل تلقينا هذه المساعدة منهم. ومع هذا الوضع الراهن، ما زلنا أعضاء في الاتحاد الأوروبي. نحن جزء من هذا التحالف الغربي، الذي نعدّه وطننا وعلينا مساعدة بعضنا البعض، لكننا لا نرى أية مساعدة تأتي منه".
فهل يمكن للمجتمع الدولي الذي من المفترض أنه استعد لهذه الأوقات الصعبة، أن يواجه مثل هذه الصورة بشفافية ويتساءل عما فعله لأكثر من نصف قرن؟ وبالرغم من وجود عدد كبير من الموظفين، إلا أن الروتين والبيروقراطية جعلت الكثير من الدهشة وقلة الخبرة وغياب التنسيق تطفو على السطح في الأوقات التي تعتبر فيها الحاجة ماسة للتضامن وصنع القرار السريع.
والسؤال الجوهري هنا هو كم من المآسي الناتجة عن المجتمع الدولي سنشهد بعد انقضاء محنة كوفيد-19؟
يبدو أننا إذا لم نتعلم درساً مما مررنا به، فستتوالى علينا المأساة تلو الأخرى تباعاً.