أكثر من 90% من الهجمات الإرهابية التي وقعت في العالم منذ عام 2000 حتى الآن، وقعت في شرق العالم. الإرهاب كان دوما الخنجر الأسوء في خاصرة الشرق الذي يتعاضد مع بعضه في مواجهة آلام الإنسانية المشتركة، أما الغرب فيكتفي بالتنظير حول أساليب التعامل مع قضية الإرهاب. أما الحقيقة فإن الإرهاب ليس مسألة فكرية نفضل الحديث حولها. إلا أن الغرب دائماً ما يخبرنا بأسلوب الآمر الناهي عن ماهية الإرهاب وكيف يجب أن يحارب.
وأحدث مثال على ذلك جاء مؤخراً في اشتراط الاتحاد الأوروبي على تركيا مراجعة سياساتها في الحرب على الإرهاب، مقابل إعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة الشينغن، على الرغم من ان تركيا قد استحقت مسبقاً تحرير التأشيرة تبعاً لاتفاقية أنقرة التي تم التوصل إليها في عام 1960.
ومع ذلك فإن تركيا التي وقفت دائماً على أبواب الاتحاد الأوروبي دون أن يسمح لها بدخوله، قد تمكنت بنجاح من تطبيق جل الشروط السياسية المتفق عليها، بالرغم من أن مثل هذه الشروط لم تطلب من ديمقراطيات أوروبا الشرقية. وفوق ذلك ما هي الفائدة من تدخل الاتحاد الأوروبي في حق الاستقلالية لإحدى الدول المرشحة للدخول إليه، والتحقيق في سياسات أمنها القومي؟ أم هل يعتقد الاتحاد الأوروبي أن مفاوضات انضمام تركيا تشمل ملحقاً يشبه معاهدة سيفر التي وقع عليها في أعقاب الحرب العالمية الأولى بعد احتلال الأراضي التركية؟
وفي الوقت الذي كانت فيه تركيا تواجه خطر الإرهاب كل يوم، كان الغرب يقوم بتعطيل العمل بالاعلان العالمي لحقوق الانسان "لفترة مؤقته" بعد التعرض إلى هجمات إرهابية قليلة في باريس وبروكسل. عن أي ديمقراطية يتحدث هؤلاء؟
أنا لم أعلق على الوضع السابق. لكن دعوني أشير إلى أن تركيا التي واجهت مرات عديدة خلال العام الماضي أزمات حقيقية وتهديدات تذكرنا بهجمات باريس، لم تلجأ بتاتاً إلى الإجراءات الأمنية الفاشية التي يتم تطبيقها في أوروبا اليوم.
لذلك فمن الواضح أن القضية اليوم تفتقر إلى المنطق ولا يمكن تفسير ما يحدث من خلال القواعد والتطبيقات الدبلوماسية لأن السبب الأساسي للتناقض هو في تحيز الغرب في تعامله مع الشرق، والذي أصبح أشبه بالأمر الواقع.
فبحسب الانطباع المتأصل في العقلية الغربية عن الشرق، والمغطى بالقيم اللماعة لعصر النهضة الأوروبي، فإن أصل الشر العالمي في الشرق هو الخبث فيه. ولذلك فإنهم يناقشون الإرهاب وهو ظاهرة خبيثة في كل منطقة وثقافة، على أساس معايير غير منتظمة ومتغيرة، تبعا لما إن كانت قد وقعت في الشرق أو الغرب.
فإذا استهدف الارهاب أنقرة أو اسطنبول أو كابول أو حلب أو بغداد، فإن السبب خلف ذلك يرجع إلى تسلط الدولة وسياساتها الاقصائية، بحسب وجهة نظرهم. أما لو وقع العمل الإرهابي نفسه في باريس أو مدريد أو بروكسل، فإنهم يعتقدون أن المنفذين هم مجموعة من الأوغاد الذين يسيؤون إلى الديمقراطية والحرية التي منحتهم إياها الأنظمة الجمهورية. وغالبا ما يعتبرون أن غالبية هؤلاء الإرهابيين قد قدموا من الخارج.
وبهذه العقلية، يستحيل على الشرق أو الغرب التوصل إلى أي حل.
إن كان الغرب والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل خاص، يرغبون في الحيلولة دون تحول الإرهاب إلى عادة متكررة في أراضيهم، كما هو الحال في الشرق، فعليهم أن يبتعدوا عن أساليبهم القديمة في تشكيل علاقات ترتكز على منطق عصور الاستعمار، وأن يحاولوا بذل بعض الجهد في سبيل التمدن.
عندها فقط يمكننا البدء بالحديث عن تاريخهم الحافل بدعم الإرهابيين الذين ارتكبوا الويلات في دول المشرق.
أعتقد أن على الغرب أن لا يضيع المزيد من الوقت؛ وإلا فإنه سيحرق آخر جسوره مع الشرق، الذي يواصل صحفيوه –وأنا منهم- متابعة أخبار خسائر الهجمات الإرهابية بكل قلق في أعقاب كل عملية إرهابية، تماما كما أفعل الآن إزاء الهجوم الأخير الذي وقع في دياربكر، خلال كتابتي هذه المقالة.