بعد انتخابات السابع من حزيران، بدأت هجمات ارهابية ممنهجة باستهداف تركيا. الجناة الذين يقفون خلف هذه الهجمات الارهابية، والتي تستهدف المدنيين، اضافة الى قوات الأمن التركية، ينتمون الى خلفيات مختلفة، والى ألوان متنوعة من الطيف السياسي. فتارة يحمل راية الأرهاب تنظيم الدولة (داعش)، الذي يختبئ خلف قناع الاسلام، وتارة أخرى يحملها تنظيم حزب العمال الكردستاني (بي كا كا)، والمتستر بقناع القومية الكردية، على الرغم من أنه لا يتوانى عن قتل الأكراد أيضاَ. بينما تقوم جبهة حزب التحرر الشعبي الثوري، التي لا تخفي تعاطفها مع الرئيس السوري الديكتاتور بشار الأسد، بمهاجمة منشآت تابعة للولايات المتحدة داخل الاراضي السورية.
وقد فقدت تركيا خمسة وسبعين من مواطنيها، في هجمات ارهابية، منذ الانتخابات التركية وحتى الان. ولكن ما الذي جرى لهذه التنظيمات الارهابية، ودفعها لتصعيد عملياتها ضد تركيا؟ وما هو هدفها؟ ثمة عدة إجابات على هذه الأسئلة.
فبالنسبة لحزب الشعوب الديمقراطي، والذي يمثل الأكراد سياسيا، بحصوله على 80 مقعدا في البرلمان، فإن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وحكومة حزب العدالة والتنمية هما المسؤولان عن هذا المشهد. حتى أن زعيم الحزب، صلاح الدين ديميرتاش، قد ذهب بعيدا في اتهام اردوغان، بالوقوف خلف التفجير الانتحاري، في "سوروتش"، والذي خلف 33 قتيلا من المدنيين. وعندما سئل ديميرتاش عبر وسائل الاعلام عن دليله في هذا الاتهام، أشار الى عدم امتلاكه أي دليل ، وأن بنى اتهامه على مجرد "أحاسيس".
الا أن وكالات الولايات المتحدة، تملك معلومات جدية، تشير الى ضلوع تنظيم الدولة "داعش" في التفجير. على أساس ذلك، قامت الحكومة التركية، بشن حملة شاملة وموسعة ضد تنظيم الدولة في تركيا وسوريا، الذي أعلنته تنظيما ارهابيا منذ عام 2013. فكيف يمكن لأردوغان الذي انتخب رئيسا بنسبة 52% من الأصوات، ويحمل الشرعية المطلقة لمنصبه، أن يستفيد من هذه العمليات الارهابية؟ السؤال نفسه ينطبق على حزب العدالة والتنمية، الذي حصل على 41% من الأصوات، النسبة الاعلى بين الاحزاب السياسية التركية؟ أليس من السخف إلقاء اللوم في هذه الهجمات على الحركة السياسية التي عملت على تعزيز الأمن في تركيا لما يزيد عن 13 عاما، وفازت في الانتخابات الرئاسية، واستفتائين شعبيين، وثلاثة انتخابات عامة، وثلاثة أخرى محلية ؟
ومع ذلك، فلنأخد ادعاءات ديميرتاش السخيفة وغير المنطقية مأخذ الجد قليلاً. فلنفترض ان الدولة بامكانها تحريك هذه التنظيمات التي كانت تحاربها منذ سنوات، والتأثير عليها للقيام بهجمات. فلماذا إذا لم يقم ديميرتاش، الذي يتمتع بعلاقة قوية مع تنظيم حزب العمال الكردستاني، وقدم شكره الى جبهة حزب التحرر الشعبي الثوري على دعمهم في الانتخابات، بدعوة هذه التنظيمات علنا الى ترك السلاح؟ بالطبع، انه من المحال أن نتوقع شيئا من هذا القبيل من ديميرتاش، الذي لم يقم حتى بإدانة الهجمات التي ادت الى مقتل مدنيين.
هل سيتشكل الائتلاف بالإجبار؟
ثمة انطباع آخر شائع لدى الشارع التركي، يفيد بأن هذه الأزمة المتصاعدة، تسعى الى دفع وإجبار الفرقاء السياسيين على تشكيل ائتلاف. ذلك أنه وبحسب جميع استطلاعات الرأي التي تم القيام بها مؤخرا، فإن حزب العدالة والتنمية، الذي حكم في تركيا لمدة 13 عاما، سيحصل على الأغلبية البرلمانية مجددا، في حال قيام انتخابات مبكرة. وهذا السيناريو يكون بمثابة الرعب، بالنسبة لمعسكر المعارضة، ومنافسي تركيا، الذين يشعرون بالانزعاج من طول فترة الاستقرار السياسي والاقتصادي في تركيا. ولتعطيل هذا السيناريو، فهم يسعون معا الى الدفع باتجاه تحالف يعيق استقرار وتقدم تركيا. ولهذا يقال بأن حالة الغموض حول نتائج حوارات الائتلاف كانت تحفز للقيام بالمزيد من الهجمات الارهابية. وتنظيم الدولة وحزب العمال الكردستاني و جبهة حزب التحرر الشعبي الثوري، المدعومون من قبل لاعبين اقليميين أو دول أوروبية هم أفضل من يمكنه لعب هذا الدور. إلا أن المجتمع التركي خبير بهذا النوع من المشاريع، التي تستخدم الارهاب كأهم أدواتها. بالإضافة الى أن مثل هذه الألاعيب، والمدعومة بمحاولات انقلابية خفية أو علنية، قد أصبحت معتادة في التاريخ التركي الحديث. في السابق، كان المشهد العسكري والبيروقراطي التركي المدعوم من الخارج، يستفز الارهاب من خلال الدمي التي يحركها. وباستخدام الارهاب، كانوا يفرضون هذا النوع من حكومات الائتلاف، التي لم تكن سوى أعمدة للوضع القائم. لكن الشعب التركي يدرك هذه الالاعيب، وقد تعلم من خلال الخبرات القاسية التي خاضها عبر سنوات. وبلا شك، فهو سيتغلب على هذه السيناريوهات، وسيتم حماية الديمقراطية في تركيا وحراكها الداخلي.