بدأ مرشحا الرئاسة الأمريكية بإطلاق حملاتهما الانتخابية والالتقاء بالناخبين بعد طول انتظار سببه تفشي كوفيد-19. وبالرغم من ارتفاع عدد الإصابات بالفيروس المستجد في الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن منظمي حملة ترامب فضلوا إقامة تجمعات كبيرة في الساحات العامة هناك. بينما اختار منظمو حملة جو بايدن إقامة تجمعات صغيرة وفقاً لقواعد التباعد الاجتماعي، وبثوا خطابات نائب الرئيس السابق عبر الإنترنت.
وبدأت كلتا الحملتين بإنفاق مبالغ كبيرة من المال على إعلانات وسائل التواصل الاجتماعي. وتناولت القضايا الرئيسية في الأسبوع الأول من الحملات خطط مكافحة تفشي كوفيد-19 ومقتل جورج فلويد والمظاهرات التي أعقبت الحادث، وكذلك حالة الاقتصاد. ومن المحتمل أن تستمر هذه القضايا في صدارة أجندات الحملات الانتخابية خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
وبما أن جمهور الحملات الانتخابية لا يقتصر على الشعب الأمريكي فقط، بل يتابع الناس في مختلف أنحاء العالم باهتمام سباق ترامب-بايدن، فإن الرسائل التي يرسلها هذان المرشحان سيتم تحليلها بعمق من قبل المجتمع الدولي. ومن المتوقع أن يكشف كل من المرشحين عن نهج سياستهما الخارجية في مؤتمراتهم أمام الأحزاب التي يمثلانها.
فماذا يتوقع العالم من هذين المرشحين بشأن مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية؟
لا يوجد إلى الآن عبارات واضحة يمكنها التعبير عن مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية ولكن التكهن بذلك يمكن أن يتم من خلال أنماط ظهرت أثناء فترة تولي كل من المرشحين مناصبه العامة. وفي حال لم يأت المرشحان بتغييرات جذرية في نهج سياستهما الخارجية ودور الولايات المتحدة في العالم بشكل عام، فيمكننا استنتاج خطوط عريضة من الطريقة التي يتعاملان بها مع السياسة الخارجية. لقد شغل بايدن منصب نائب الرئيس أوباما لمدة ثماني سنوات مع توليه بعض المسؤوليات الحساسة في السياسة الخارجية، بينما لا يزال ترامب مستمراً في شغل منصبه لأكثر من ثلاث سنوات حتى الآن. ومع أن الأشهر الأربعة المقبلة التي تفصلنا عن موعد الانتخابات يمكن أن تؤدي إلى تغييرات كبيرة في مواقف المرشحين المتعلقة بالسياسة الخارجية، إلا أن سجلاتهم يمكن أن تقدم بعض الأدلة حول سياستهم الخارجية المستقبلية.
هناك بالتأكيد بعض الاختلافات في تعاطي كل من المرشحين مع السياسة الخارجية. ويظهر تقدم الحملات أن كل منهما يحاول بقوة إبراز اختلاف نهجه في قضايا تشمل السياسة الخارجية. وأول اختلاف سيتم تسليط الضوء عليه هو موقفهما من التعددية الذي من المحتمل أن يكون واحداً من القضايا الرئيسية التي سينتقدها بايدن فيما يتعلق بسياسة ترامب الخارجية. فالرئيس ترامب لا يفضل أن يكون جزءاً من المبادرات متعددة الأطراف التي يعتقد أنها تفقد الولايات المتحدة ميزة المساومة. وقد انسحب خلال فترة ولايته من بعض تلك المبادرات الرئيسية مثل صفقة التجارة عبر المحيط الهادئ، واتفاقيات باريس للمناخ واتفاق إيران النووي. وهو بذلك بدّل نهج "أمريكا أولاً" الذي كان متبعاً على مر السنين إلى نهج "أمريكا فقط" في علاقته مع حلفاء الولايات المتحدة حول العالم.
وإذا تم انتخاب بايدن، فمن المحتمل أن يقوم بإجراءات مختلفة لبناء الثقة مع حلفاء الولايات المتحدة، ومن المرجح أن يدلي بتصريحات تؤكد التزام الولايات المتحدة بالمبادرات متعددة الأطراف والمنظمات الدولية. وعلى الأرجح سيبني بايدن خطابه في الناتو على طمأنة حلفاء الولايات المتحدة فيما يتعلق بالمادة 5 من ميثاق الحلف. كما يُتوقع أن يعيد بايدن مشاركة الولايات المتحدة في الاتفاق النووي الإيراني واتفاق باريس المتعلق بالمناخ.
من ناحية أخرى، يمكن أن يزيد ترامب إذا ما تم انتخابه الضغط على الناتو فيما يتعلق بمساهمات الدول الأعضاء الأخرى في الحلف وسيمارس على الغالب ضغطاً كبيراً على هيئة الأمم المتحدة كيلا تنفذ سياسات تتعارض مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة. ويمكن اعتبار الخلاف الأخير بين الولايات المتحدة ودول أخرى في قمة مجموعة السبعة، نسخة تجريبية عن أداء ترامب في الولاية الانتخابية الثانية له. كما يمكن أن يجعل رغبته في زيادة أعضاء مجموعة ال 7 لتشمل روسيا والبرازيل بشكل خاص، هدفاً للسياسة الخارجية الأمريكية في عهده.
كذلك ستكون العلاقات الأمريكية مع روسيا والصين، جزءاً هاماً من سباق التنافس بين المرشحين. وقد انتقد بايدن الرئيس ترامب بعد ظهور تقرير في صحيفة نيويورك تايمز بشأن أنشطة المخابرات الروسية في أفغانستان، لكونه لطيفاً جداً مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ووصف سنوات ترامب بأنها "هدية لبوتين". وهذا يدل على أن "الجدل الروسي" في السياسة الخارجية الأمريكية سيستمر خلال حملات المرشحين.
كما أعرب ترامب منذ بداية ولايته عن استعداده لإقامة علاقات مريحة مع روسيا، لكنه لم يتمكن من تحقيق هذا الهدف في ولايته الأولى بسبب التحقيقات في التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية. وإذا تم انتخاب ترامب لفترة رئاسية ثانية فمن المحتمل أن يجد المزيد من "المرونة" لإقامة علاقات أفضل مع روسيا. مع أن الاشتباكات الجيوسياسية بين روسيا والولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط، قد تتعارض مع هذا الهدف.
أما في حال فوز بايدن، فستستمر الولايات المتحدة في الرد على بعض سياسات روسيا، ولكن دون تصعيد الأزمة معها. ومن المحتمل أن تواصل البلاد حوارها مع روسيا بشأن بعض القضايا الحرجة. لكن من المؤكد أن بايدن خلال موسم الانتخابات سيوجه انتقادات شديدة ضد ترامب بشأن علاقاته مع روسيا.
أما عن علاقات الولايات المتحدة مع الصين، فمن المرجح خلال موسم الحملات الانتخابية أن يستخدم المرشحان خطاباً قاسياً حول تعامل بكين مع أزمة كوفيد-19. وسيقوم كلا المرشحين في وقت لاحق بطرح بعض القضايا الأخرى أثناء مناقشات السياسة الخارجية، بما في ذلك انتهاكات حقوق الملكية الفكرية، والتوسع العسكري الصيني في بحر الصين الجنوبي والهجمات الإلكترونية التي تشن من الصين على الولايات المتحدة.
في الواقع هناك إجماع من الحزبين المتنافسين على أهمية هذه القضايا، لكن خلافات محتملة ستظهر بشأن "الحرب التجارية". وفي حال فوز بايدن قد يخفف التوتر المحيط بالحرب التجارية لكنه سيواصل المفاوضات مع الصين بشأن "الممارسات التجارية غير العادلة" التي من المحتمل أن تؤدي إلى خطاب "الحرب".
كما يمكن أن يعمل على إزالة بعض العقوبات المعتمدة ضد الصين، لأن إدارة أوباما عملت على "إعادة التوازن" على "محور آسيا" ومن المحتمل أن تستمر إدارة بايدن بنهج السياسة ذاتها تجاه الصين. لكن ترامب إذا ما تم انتخابه، فسيواصل على الأرجح المفاوضات مع الصين في سياق الحرب التجارية. وقد يتجه لزيادة البصمة العسكرية الأمريكية في بحر الصين الجنوبي.
وبخصوص الشرق الأوسط من المرجح أن يدور جدل واسع بين المرشحين حول قرارات بايدن السابقة. ويتوقع أن يثير ترامب قضايا دعم بايدن لحرب العراق كما سيتحدث بايدن عن خطته لإعادة الارتباط مع إيران إلى جانب انتقاده مقتل قاسم سليماني.
أما القضيتان الساخنتان في الشرق الأوسط اليوم، سوريا وليبيا، فلا شك أنهما ستثيران موجة من الجدل بين المرشحين. ومع ذلك قد يتجنب بايدن بسبب ثماني سنوات من اللامبالاة والتقاعس في سوريا، الدخول في مناقشات مع ترامب حول هذه القضايا. كما يتوقع أن يتجنب بايدن النقاشات حول ليبيا نظراً لحادثة بنغازي التي تعكس سياسة إدارة أوباما في ليبيا. كذلك سيدعم بايدن خطة ترامب لإنهاء الحروب الطويلة التي لا تنتهي في الشرق الأوسط. لكنه مع ذلك سيحاول تمييز نهجه عن نهج إدارة ترامب في الشرق الأوسط من خلال اقتراح بعض الفروق الدقيقة. وقد يتخذ إجراء مختلفاً بشأن الانسحاب من سوريا.
من المعروف أن السياسة الخارجية لا تهم الناخبين مثل السياسة الداخلية والتطورات الاقتصادية، ولكن العالم سيظل يرقب أولويات السياسة الخارجية للمرشحين اللذين يحتاجان إلى فهم حقيقة أن تصريحاتهم ووعودهم حول السياسة الخارجية سيكون لها نتائج مباشرة على صورة الولايات المتحدة ومصداقيتها في الخارج.