أخفقت الاقتصادات الرئيسية في الآونة الأخيرة، في إظهار روح التشاركية والتحالفية في التعامل مع الأزمات العالمية وعاد اتجاه "القومية" البدائية إلى الظهور.
وبالرغم من أن الاقتصادات الرائدة في العالم أعضاءٌ في تحالفات ومنظمات دولية هامة جمعتهم لأسباب اقتصادية وتجارية وعسكرية وسياسية، فقد أخفقت مؤخراً في إظهار أوجه التعاضد والتعاون الملائم لعلاقات "التحالف" في إدارة الأزمات العالمية. وقد أدى ترك تركيا بمفردها والتخلي عنها وهي العضو في الناتو والبلد الذي يحارب بي كي كي أخطر وأشرس المنظمات الإرهابية الدولية بالرغم من قواعد الناتو الواضحة، إلى انهيار توريد الأقنعة الواقية واللقاحات المعدة للإرسال إلى دول أخرى خلال فترة الوباء العالمي. كما أن الميل نحو العقوبات السرية ووضع العقبات المخالفة للمبادئ التأسيسية للمنظمات العالمية هي بعض الممارسات التي اعتدنا عليها في السنوات العشر الماضية.
القومية
يمر العالم حالياً بفترة غامضة يظهر فيها نوع من ردود الفعل "القومية" البدائية. فبعض الدول الرائدة التي لم تكن قادرة على الحفاظ على قواعد اقتصاد السوق على مدى الأربعين عاماً الماضية كثفت الآن نزعاتها المتعلقة بـ "الحماية التجارية" التي تتعارض تماماً مع النموذج الاقتصادي والنظام الذي تدعو إليه. ووصلت سلسلة التحركات والسلوكيات الأنانية التي أصبحت أكثر وضوحاً خلال الوباء العالمي، إلى ذروتها مع الحرب الروسية الأوكرانية. ولهذا السبب، يشعر خبراء السوق والاقتصاديون بقلق بالغ إزاء "القومية" المتعلقة بالغذاء والطاقة التي يمكن أن تتصاعد في الخريف والشتاء. ولا شك أن هذا الوضع يتحدى جهود العديد من المنظمات الدولية وخاصة الأمم المتحدة، التي تدافع عن القيم العالمية وتكافح من أجل التعاون العالمي.
الطاقة
لقد اختبر العالم "قومية" الطاقة من قبل وشهد الجميع على الدول التي صادرت الغاز الطبيعي الذي كان حقاً لدولة أخرى عبر خطوط الأنابيب التي تمر بأراضيها من خلال إجراءات تنفيذية تضع الدولة المالكة للغاز في مأزق. كما شهد الجميع أمثلة من البلدان التي تستخدم الظروف الجوية أو المشاكل الفنية ذريعة لعدم ضخ الغاز الطبيعي الذي باعته في خط الأنابيب.
ولهذا السبب، نأمل ألا نواجه مواقف ترتفع فيها المشاعر "القومية" البدائية تجاه الطاقة وتتجاهل الدول بعضها أو تغتصب موارد الطاقة التي ليست من حقها في ظروف الخريف والشتاء القاسية التي تنتظر أوروبا، والتي تعتبر بحد ذاتها اختباراً هاماً للتعاون والتضامن. والأمل معقود على ألا تعود المواقف الأنانية إلى الظهور وقد تعددت الأمثلة في الأزمة المالية العالمية عام 2008 والوباء العالمي.
الغذاء
الأمر ذاته ينطبق بلا شك على أزمة الغذاء فقد ظهرت اتفاقية الحبوب مع الجهود الدبلوماسية المكثفة التي بذلتها تركيا بحوارها المخلص مع الأطراف المعنية، وهي تمضي قدماً برعاية الأمم المتحدة. وكانت خطوةً تاريخيةً للبلدان التي يمكن أن تلجأ إلى "القومية" الغذائية لتجتمع مرة أخرى. ويتمنى الكل أن يكون الخريف والشتاء القادمان فترةً تشهد فيها الدول وخاصة في إفريقيا والشرق الأوسط ممن تحتاج إلى دعم غذائي، جهوداً مخلصة من بقية الدول بدلاً من التكديس الأناني، وأن تأتي الدول الغنية لمساعدتها نيابة عنهم. وإلا فإن "القومية" الغذائية البدائية يمكن أن تؤدي إلى الحرمان من الدعم الغذائي في إفريقيا والشرق الأوسط، ما قد يتسبب في الهجرة القسرية للملايين اليائسين وتحول مئات الآلاف من الناس إلى لاجئين بسبب الجوع. وهذا بدوره سيؤدي إلى فوضى دولية واضطراب إنساني، كما سيؤدي إلى العديد من المشاكل الخطيرة الأخرى.
وختاماً، لا بد من الدعم المخلص لجهود الأمم المتحدة والجهود المخلصة لمنصات مجموعة السبع ومجموعة العشرين، لإيجاد حلول ملموسة لأزمة إمدادات الغذاء والطاقة العالمية، ونجاح الاتحاد الأوروبي في إقامة نظام عادل وشفاف. إن آلية التوريد بين الدول وعدم ترك إفريقيا والشرق الأوسط وحدهما في هذا الصراع كلها عوامل حاسمة بالنسبة للسياسة الدولية لمواصلة جهودها على أساس عادل. وفي هذه المرحلة، تتحمل الدول الرائدة في سلسلة التوريد العالمية أيضاً واجبات هامة في عدم الاستفادة من نقاط ضعف النظام العالمي تحت الإكراه، لتلبية احتياجات الاقتصاد العالمي دون تقليل قدراتها الإنتاجية.
ومن المفيد للاقتصادات الرائدة مراجعة الدور التركي المنصف في النظام العالمي والذي يعتمد على الاقتصاد المختلط الذي يجمع بين القطاعين العام والخاص، والسياسات غير التقليدية ومجموعة السياسات الاقتصادية التي تدعم الإنتاج والتوظيف والصادرات والاستثمارات.