من المتوقع أن تحظى 4 قضايا رئيسية بالأولوية هذا العام لدى جميع المؤسسات الدولية، لا سيما الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومنظمة التجارة العالمية.
الموضوع الأول بين تلك القضايا بلا شك هو تغير المناخ العالمي وما يسببه من كوارث.
فمن ناحية، نجد أمطاراً غزيرةً وعواصفَ شديدة وفيضاناتٍ ودمار يضرب بعض المناطق، بينما نجد من ناحية أخرى، جفافاً شديداً وتصحراً يهدد الزراعة وإنتاج الغذاء على مستوى العالم، ما ينطوي على مخاطر إضافية تتعلق بزيادات غير مسبوقة في التكاليف الزراعية وأسعار المواد الغذائية. لذا يبدو من المنطقي أن يواصل العالم طوال عام 2022 مناقشة كيفية إبطاء تغير المناخ وتخفيف آثاره وحماية العالم من الكوارث الطبيعية الشديدة والمجاعات وعدم القدرة إلى الوصول لموارد المياه النظيفة.
أما القضية الهامة الثانية فهي تحويل الطاقة وأمن إمداداتها، وهي متعلقة بتغير المناخ وإيجاد حلول قادرة على الحد منه، من خلال تسريع الاتجاه نحو إنتاج الطاقة المتجددة التي لا غنى عنها لحياة الإنسان، مع ضمان الحد الأدنى من انبعاثات الكربون في الهواء.
لكن في الحقيقة حتى الاتحاد الأوروبي الذي أطلق حملةً كبيرةً لحظر الفحم والنفط كلياً، يدرك أن أمن إمدادات الطاقة أثناء التحول بها، يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، للوصول إلى هدف صافي الكربون الصفري. ومن أجل القيام بذلك، تستعد الكتلة لإعلان تشريعات جديدة تشمل الطاقة النووية، بعد أن تم الانتهاء بالفعل من خطة تصنيف بعض مشاريع الطاقة النووية والغاز الطبيعي كاستثمارات خضراء.
ومن المتوقع أن يصل مشروع القانون الذي يتضمن معايير لتصنيف المشاريع على أنها استثمارات خضراء، إلى جدول أعمال المفوضية الأوروبية هذا الشهر. وبالطبع، فإن مشاريع إنقاذ العالم من آثار تغير المناخ ومشاريع التحول الشامل للطاقة، تتطلب تمويلاً جاداً، لا يقل عن استثمار 5 تريليونات دولار حتى عام 2030. لكن الاقتصادات المتقدمة الرائدة وعدت فقط بـ 1 تريليون دولار من الدعم، وتحتاج البلدان النامية إلى إيجاد 4 تريليونات دولار إضافية من الموارد.
وهناك موضوع آخر هام يتعلق بالمعادن النادرة وأشباه المعادن. فمن الجيل الجديد من السيارات الكهربائية إلى محطات طاقة الرياح، تعتمد مشاريع تحويل الطاقة وصافي الصفر الكربوني، على المعادن النادرة وأشباه المعادن التي يتحكم عدد قليل جداً من البلدان في إنتاجها. ما يجعل النقاش حول هذا الأمر يحتل موقعاً متقدماً بين قضايا عام 2022.
وسيكون الموضوع الثالث المهم هو صفر نفايات والجيل القادم من البلاستيك والمواد الكيميائية. إذ لا تقل أهمية إدارة النفايات العالمية وحماية التربة وموارد المياه النظيفة عن أهمية تغير المناخ العالمي. حيث يوجد بالفعل 1.6 مليون كيلومتر مربع من الجزر البلاستيكية العائمة في محيطات العالم، الأمر الذي يمثل تهديداً كبيراً لبيئة الأرض والمحيطات. ومن الأهمية بمكان ألا تضر المواد البلاستيكية والمواد الكيميائية التي نستخدمها في حياتنا اليومية بالكائنات الحية الأخرى والطبيعة بمجملها. ولهذا السبب، سيكون عام 2022 حافلاً بعقد مفاوضات هامة تحت مظلة الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومنظمة التجارة العالمية. وسيتم اتخاذ قرارات تاريخية من خلال لوائح دولية هامة للغاية ومفصّلة فيما يتعلق بالبلاستيك والمواد الكيميائية. ولا بد أن ينبثق عن اللوائح الدولية لوائح وطنية تصدرها كل دولة على حدة تتعلق بهذه المواد المدمرة للكوكب.
والقضية الرابعة الهامة ذات الأولوية التفضيلية هي إيجاد "مناهج جديدة للتنمية". وهي تشتمل على العديد من التفاصيل المختلفة.
فالمناقشات حول مفهوم التنمية بين عامي 1930 و 1960 كانت تدور في الغالب حول مداواة جروح الحرب العالمية الأولى وزيادة التصنيع داخل النظام الرأسمالي. وبعد عام 1960، بدأت التنمية الإنسانية تصبح موضوعاً ذا أولوية في الأدبيات الاقتصادية فقط. بعد أن اشتمل الانتقال من الزراعة إلى التصنيع والذي امتد بين 1750 و 1960 على الثورة الصناعية الأولى والثانية. وساعد نهج التنمية الإنسانية الذي ظهر في المقدمة بين عامي 1960 و 1990، إلى جانب مفاهيم هامة أخرى مثل الحقوق الأساسية والحريات وحقوق الموظفين، على إكساب فهم التنمية الاجتماعية والعامة زخماً كبيراً.
ومنذ التسعينيات، بدأت عملية جديدة تتماشى مع أهداف التنمية المستدامة. وشهد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين فترةً حساسة تجاه أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر المحددة بموجب الأمم المتحدة. ومع ذلك، لوحظ نقص في الدافع والرغبة للتنمية في معظم البلدان، من إفريقيا إلى آسيا ومن أمريكا اللاتينية إلى أوراسيا، إلا أن الأساليب الجديدة للتنمية ستزيل هذا التعثر وتعيد توجيه الموارد المالية نحو التحول المستدام.
وباختصار، فإن المناقشات حول النهج الجديد للتنمية، ستركز في عام 2022 على كيفية تمويل النماذج الجديدة، وعلى القضايا والمحفزات التي يمكن أن تنّشط البلدان وتدفعها لتبنّي هذه النماذج وتطويرها. بالإضافة إلى ذلك، ستتم مناقشة إعادة هيكلة الدول، وإنشاء قطاع حقيقي يقوم على شبكات من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم والمنظمات غير الحكومية وأنظمة أخرى، غايتها تسريع التنمية بكافة المجالات وعلى مختلف الأصعدة.