مُني حزب العدالة والتنمية الحاكم بخسارة في إسطنبول خلال الانتخابات المحلية السابقة، وكانت لهذه الخسارة آثار كبيرة على الحزب، حملت معانٍ عميقة ومختلفة.
فالرئيس رجب طيب أردوغان بدأ رحلته السياسية في إسطنبول، وشارك في مناظرات ومسابقات داخل الاتحاد الوطني للطلاب الأتراك أثناء دراسته الثانوية، كما تولى طيلة تلك الفترة دوراً قيادياً كطالب مدرسي، ومع متابعته التعليم الجامعي كان يعمل في الوقت نفسه لكسب لقمة العيش.
وبدأ حياته السياسية في العشرينات من عمره كرئيس لفرع الشباب في حزب الإنقاذ الوطني، حيث تبلورت مسيرته السياسية في الغالب في منطقة "بيه أوغلو" في إسطنبول.
وبما أن رحلة حزب العدالة والتنمية هي إلى حد ما رحلة أردوغان، أود أن أتعمق قليلاً في كيفية وصول أردوغان إلى منصب رئيس بلدية إسطنبول.
التصنيع والتنمية
كان حزب الرفاه يمثل أكثر من المكون الإسلامي في الأنماط السياسية الثلاثة، التي أصبحت واضحة خلال الفترة العثمانية وهي العثمانية والإسلاموية والتركية. ومن المثير للاهتمام، أنه بالرغم من أن الحزب كان إسلامياً في الخطاب، لكنه بسبب التكوين المهني لزعيم حزب الرفاه الراحل نجم الدين أربكان كمهندس ميكانيكي وعالم رياضيات، كان التصنيع والتنمية ركائز أساسية لسياسة الحزب، بالإضافة إلى الأيديولوجية الإسلامية.
ورغم امتلاكه للحس السليم، أظهر حزب الرفاه بُنية انطوائية وتقبلاً محدوداً للثقافة العالمية لولايات الأناضول.
إن حقيقة أن أردوغان ولد ونشأ في بيه أوغلو دفعته إلى استيعاب ثقافتها العالمية، وبمعنى آخر، لم يعش الرئيس فقط مع أعضاء ذوي أفكار وتوجهات وأنماط حياة مختلفة في تركيا، لكنه اكتسب أيضاً تجربة العيش مع اليهود والنصارى وغيرهم من العناصر غير المسلمة.
وفي عام 1994، ومن خلال الاستفادة أيضاً من البنية السياسية المجزأة، فاز حزب الرفاه بإسطنبول وأصبح أردوغان رئيس بلديتها الكبرى.
من رئاسة البلدية إلى رئاسة الوزراء
وخلال فترة ولايته، تولى أردوغان السيطرة على إسطنبول، التي كانت سيئة الإدارة وغير قابلة للحكم تقريباً ومنهكة مالياً وتعاني من الهواء الملوث وتواجه نقصاً حاداً في مياه الشرب.
وبدأ عملية تحويلية نقل خلالها إسطنبول إلى مدينة حديثة وعالمية ذات إدارة جيدة تتمتع ببنية تحتية مهمة واستثمارات ضخمة في المرافق المعاصرة، بدءاً من وسائل النقل.
كما مهد الطريق ليصبح رئيساً للوزراء في الانتخابات العامة في تركيا من خلال تحقيق النجاح في الجوانب العلمية والسياسية والثقافية في إسطنبول، ومنذ ذلك الحين يحكم أردوغان تركيا بالمعرفة والخبرة التي اكتسبها.
ومن الطبيعي أن تتسبب خسارة اسطنبول، التي كانت مفتاح السياسة ونقطة البداية بالنسبة لحزب الرفاه، وبعد ذلك حزب العدالة والتنمية وأردوغان، في إحداث جروح عميقة داخل الحزب.
واليوم، صار حزب العدالة والتنمية بشكل جماعي أكثر تحفيزاً وأكثر تركيزاً على الفوز في الانتخابات المقبلة.
من النصر إلى الفشل
حقق رئيس بلدية إسطنبول الحالي أكرم إمام أوغلو، الشخصية السياسية الوحيدة في حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي، نجاحاً انتخابياً في الانتخابات المحلية الأخيرة، لكن أدائه في خدمة إسطنبول بعد فوزه يُنظر إليه على أنه "محدود بشكل ملحوظ"، إذا تحدثنا بأدب.
وفشل إمام أوغلو في تنفيذ أية احتياطات ضد الزلزال المتوقع الذي من المحتمل أن يحدث في إسطنبول، ولم يحقق أي تحسينات جديدة في البنية التحتية خلال فترة إدارته، مثل النقل أو المياه الصالحة للشرب.
وبينما يحاول حزب العدالة والتنمية جاهداً استعادة إسطنبول التي فقدها، بالمشاركة مع حزب الحركة القومية وحلفائه الآخرين، فإن الأعضاء السابقين في تحالف الأمة وحزب جيد وحزب الشعب الجمهوري، عالقون في مأزق ويخوضون قتالاً شرساً مع بعضهم البعض.
وتعتمد استراتيجية إمام أوغلو للفوز على الولاء الحزبي لحزب الشعب الجمهوري، أو المخاصمة الطائفية لحزب العدالة والتنمية، أو الإشارة إلى بعض المخاوف بشأن نمط الحياة.
بينما يدعي حزب العدالة والتنمية أنه أتمّ أعمال إسطنبول غير المكتملة وهو قادر، على حكمها بشكل أفضل من خلال التأكيد على استثماراته السابقة و25 عاماً من الخدمة والإنجازات في المدينة العملاقة.
وبقوله "إسطنبول من جديد" قبل إطلاق الحملة الانتخابية في جميع أنحاء تركيا، يحاول الرئيس أردوغان التأكيد على أهمية إسطنبول في هذه الانتخابات بطريقة ما، إذ قد تعتمد الانتخابات المحلية المقبلة بنسبة ما على مناظرة إسطنبول.
وقد أعلن حزب الشعب الجمهوري رسمياً عن مرشحه وهو رئيس بلدية إسطنبول الحالي، بينما لم يقرر حزب العدالة والتنمية حتى الآن، مرشحه، لكن الانتخابات في تركيا تبشر غالباً بأجواء احتفالية.
ويبدو أنه بعد إعلان حزب العدالة والتنمية عن مرشحه، سيكون هناك منافسة سياسية ساخنة في إسطنبول، المدينة التي يعتزم حزب العدالة والتنمية استعادتها.
واستناداً إلى البيانات البحثية المتاحة، لا يبدو أن إمام أوغلو هو رئيس بلدية ناجح للغاية، لكنه يعتمد على الدعم الحزبي لحزب الشعب الجمهوري.
أما موقف حزب اليسار الأخضر، المؤيد لتنظيم بي كي كي، والذي يخلف حزب الشعوب الديمقراطي، فهو غير واضح. وقد أعلن الحزب الشيوعي بالفعل عن تقديم مرشح ضد مرشح حزب الشعب الجمهوري.
ووفقاً للبيانات المنطقية المتاحة، فإن الاتجاه السائد يشير إلى أن حزب العدالة والتنمية من المرجح أن يضمن الفوز.