تتجه الأعين اليوم لمراقبة الوضع الميداني في سوريا ترقباً لدخول اتفاقية ميونيخ لوقف الأعمال العدائية حيز التنفيذ بعد منتصف ليلة السبت. في الوقت الذي يتنامى فيه القلق الأمني مع استمرار الحرب.
وتدعم تركيا كدولة مشاركة في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، الإجراءات المتخذة ضد التنظيم الارهابي. إلا أن الحرب في سوريا تتعدى مجرد القضاء على داعش، بعد أن تحولت الحرب إلى خطر أمني كبير على تركيا من حدودها الجنوبية.
حيث تنامى قلق أنقرة من نشاط تنظيم وحدات حماية الشعب (ي ب ك) بعد أن طرأ تطوران متتابعان في الأسابيع الأخيرة. كان أولهما الهجمات التي شنها التنظيم على المعارضة السورية المعتدلة في أعزاز وتل رفعت وإدلب ومناطق من حلب في محاولة للعبور إلى شرق عفرين، وهو ما يبدو جزءاً من خطة للسيطرة على المناطق الواقعة بين عفرين وشرق الفرات. وكما أشار أوفوق أولوتاش، فإن الهدف الأكبر لتنظيم الـ ي ب ك يكمن في توسيع بقعة سيطرته تحت ذريعة الحرب على داعش.
يقوم تنظيم ي ب ك بتنفيذ خطته بدعم كامل من المقاتلات الروسية ونظام بشار الأسد. وبمساعدته لروسيا والنظام، فإن التنظيم يقوم في الوقت ذاته بإضعاف مجموعات المعارضة السورية.
القلق الثاني متعلق بالعلاقة الطويلة بين تنظيم ي ب ك و بي كا كا المصنف على قائمة الإرهاب لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فدعم ي ب ك لتنظيم بي كا كا بالسلاح والذخيرة والمقاتلين عبر الحدود السورية التركية، يقف خلف تنامي هجمات بي كا كا على تركيا في الآونة الأخيرة. وبينما تسعى تركيا إلى تأمين حدودها ضد داعش والمقاتلين الأجانب، فهي تتخذ أيضاً الإجراءات اللازمة لوقف تدفق السلاح والمقاتلين المرتبطين ببي كا كا من داخل الأراضي السورية.
لقد تزايدت جرأة تنظيم بي كا كا بعد حصول فرعه السوري على الدعم في ما يسمى الحرب على داعش. كما استخدم التنظيم الحرب في سوريا لضم المزيد من الأعضاء إليه، وتنفيذ الهجمات في تركيا. في الوقت الذي يتناسى فيه المدافعون عن التنظيم حقيقة إفشاله من طرف واحد لعملية السلام الداخلي التي بدأتها الحكومة التركية.
لو أن بي كا كا والمرتبطين به سياسياً يريدون حقاً استعادة طريق السلام الداخلي، لتوقفوا ببساطة عن القيام بالعمليات الارهابية واأعلنوا وضع السلاح. وبذلك يمكنهم إيقاف ما يسمونه زورا "بحرب الرئيس رجب طيب أردوغان على الأكراد". إلا أن التنظيم يرفض القيام بذلك. بل على العكس، يستخدم التنظيم والمدافعون عنه لغة السلام والديمقراطية في الوقت الذي يدعمون فيه الإرهاب ويحاولون تبييض صفحته.
تركيا تملك كامل الحق في طلب الدعم من حلفائها. كما أنه من الخطأ، أخلاقياً وسياسياً، تجاهل العلاقة الإرهابية بين بي كا كا والـ ي ب ك. فقد نشأ تنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي ب ي د في عام 2003، بأوامر مباشرة من قائد بي كا كا السجين عبد الله أوجالان. كما يتبنى التنظيم ذات الأهداف الأيديولوجية والتشكيلة الهيكلية لبي كا كا ولم يخفِ يوما علاقته به. ومنذ الثمانينيات وحتى اليوم، شكل القادمون من سوريا 20% من مقاتلي بي كا كا الإرهابي. وكما أشار راغب سويلو في تقريره المفصل، فإن العديد من تقارير وتحليلات الاستخبارات الأمريكية أشارت إلى العلاقة بين تنظيمي بي كا كا وب ي د.
لذا فإن من المغالطة محاولة إظهار رفض أنقرة للتنظيمين على أنه عداء للأكراد. بل على العكس مما ورد في افتتاحية النيويورك تايمز المجانبة للصواب، فإن تركيا ليس لها أي عداء مع الأكراد في تركيا أو العراق أو سوريا وإيران. تركيا تقف ضد التنظيمات الإرهابية، سواء أكانت تحمل أيديولوجيات دينية أو عرقية أو ماركسية لينينية. كما أن تركيا تتمتع بعلاقات ممتازة مع حكومة اقليم كردستان شمال العراق، بسبب عدم وجود علاقة تربطها ببي كا كا أو نظام الأسد. لكن يبدو أن الغرب معتاد على إضفاء الشرعية على التنظيمات الإرهابية عندما تخدم أهدافه. مع أن كراهية أردوغان لوحدها لا تعطي أيّ مبرراً لدعم التنظيمات الارهابية.
وبحسب تحليل حديث لبلوميرغ، فإن مسؤولي الولايات المتحدة قد اعترفوا بالعلاقة التي تجمع بين تنظيم ي ب د والميليشيات التابعة للنظام وبين تنظيم بي كا كا، حيث أورد التحليل أن: "بعض المسؤولين قالوا أن الاستخبارات الأمريكية قامت بتوثيق لقاءات بين المجموعات الكردية المسلحة ومسؤولين في فيلق القدس من الحرس الثوري الإيراني، المحارب إلى جانب نظام الأسد ضد المعارضة السورية منذ عام 2011. كما يؤكد التحليل على أن "ي ب ك يعمل بتعاون وثيق مع بي كا كا التنظيم الكردي الإرهابي المعادي لتركيا".
إن ما ترفضه أنقرة هو نشوء كيان أو دولة إرهابية بقيادة بي كا كا، وهو ما يُسعى إليه الآن في شمال سوريا، بفضل الدعم الخاطئ من قبل الولايات المتحدة ودعم روسيا ونظام الأسد.
إن هذا الأمر ليس له أي صلة بحصول الأكراد في سوريا على حقوقهم. بل على العكس، فانقرة دعمت حقوق الأكراد على السواء في سوريا والعراق. ومن الثابت أن أردوغان كان هو اول من تناول قضية حقوق الأكراد مع الأسد قبل أن تلتفت إليها أي جهة أخرى. كما أن تركيا فتحت أبوابها لدخول ما يقارب المئتي ألف من سكان عين العرب (كوباني)، إلى تركيا، عندما هاجم المنطقة تنظيم داعش في عام 2014.
إن ما يحدث هو توسيع لحكم الأمر الواقع الذي يفرضه الجناح السوري لتنظيم بي كا كا، ليشمل حكمه المناطق غير الكردية في شمال سوريا. ويشتهر تنظيما ب ي د وي ب ك بانتهاكات حقوق الإنسان. وتشير منظمة العفو الدولية، إلى احتمال أن يكون التنظيمان قد ارتكبا جرائم حرب من خلال هدم وتدمير القرى في سوريا.
وفي الحقيقة، فإن الولايات المتحدة تستخدم ي ب ك ضد داعش، فيما تستخدم روسيا التنظيم ذاته لتقوية الأسد، والأسد بدوره يستخدمه لتثبيت وجوده، وضد تركيا. بشار الأسد يستخدم نفس استراتيجية والده في التعامل مع الأكراد. فقد سمح حافظ الأسد بنشاط تنظيم بي كا كا في سوريا، ومنح قائده أوجالان الملاذ الآمن في الثمانينات، لأجل استخدامهم ضد تركيا. وعندما لم يعد بي كا كا قادرا على خدمة أهدافه، قام بطردهم. بشار الأسد كان يرى أكراد سوريا على أنهم بضاعة مستهلكة، قبل أن يتغير المشهد قبل عام من الآن. حين بدأ الأسد بمحاولة جذبهم إلى صفه، حيث ظهرت له مصالح في التعاون مع ب ي د وي ب ك، التنظيمين الذي يقدمان أسوء خدمة لأكراد سوريا في تحالفهما مع نظام الاسد الاجرامي. فالدعم المقدم إلى التنظيمين في سوريا اليوم، يخدم في الدرجة الأولى مصالح روسيا ونظام الأسد.
على الجميع أن يفرق بشكل واضح بين تنظيمي ب ي د وي ب ك من جهة، وأكراد سوريا من جهة أخرى، دون أن يحمل أي عداء للأخير. فكما أن تنظيم بي كا كا لا يمثل الأكراد في سوريا، فإن ب ي د ليس الممثل الوحيد لأكراد سوريا. ففي الواقع، هناك الآلاف من الأكراد الذين لا يحملون أفكار وآيديولوجيات التنظيم، ويتخذون موقفا مشرفا ضد نظام الأسد.
وفي الختام فإن ما يسمى الحرب على داعش، قد تحولت إلى لعبة قوى مضللة، تستخدم فيها سلسلة من الحروب بالوكالة في كل من سوريا والعراق. إن من المحير والشائن، أن يطلب البعض منا الآن، باسم الحرب على داعش، نسيان الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد وحلفاؤه، والتغافل عن مقتل أكثر من أربعمئة ألف شخص، وتهجير ملايين اللاجئين.