كان لمحادثات جنيف التي بدأت بوساطة من الأمم المتحدة وبناء على قرارها رقم 2254، بداية ضعيفة، وها هي اليوم تسير إلى فشلها على ما يبدو. وها هو المجتمع الدولي يترك الشعب السوري من جديد وحيداً أمام آلة القتل المتمثلة في نظام بشار الأسد وداعميه.
حيث أعلن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، في الرابع من الشهر الجاري، عن تأجيل المحادثات إلى الخامس والعشرين من الشهر. جاء هذا الإعلان بعد أيام من اللغط حول الجهات التي ستشارك في المحادثات والآليات التي ستضمن تحقيق الشروط المنصوص عليها في قرار الأمم المتحدة رقم 2254. لكن القصف الروسي وهجمات قوات الأسد لم يتوقفا خلال جريان المحادثات، وهو ما ينتهك الشروط المسبقة لبدء مثل هذه المفاوضات.
نظراً إلى المشهد الحالي، فإن الجولة القادمة من المفاوضات ستمنح نظام الأسد نصراً سياسياً، حيث يشدد النظام حملته العسكرية على المعارضة السورية المعتدلة والمدنيين، وحول دمشق وحلب وإدلب واللاذقية. أما العمليات العسكرية التي يقوم بها حزب الله وإيران، تزامناً مع التدخل العسكري الروسي منذ تاريخ الثلاثين من أيلول/سبتمبر الماضي، فليس لها سوى هدف واحد حتى اللحظة: هو استهداف وإضعاف المعارضة المعتدلة ودعم وإسناد نظام الأسد. إذ تزايدت في الأسابيع القليلة الماضية شدة الهجمات العسكرية مزهقة أرواح العشرات دون تمييز. والحلف الثلاثي المكون من روسيا وايران ونظام الأسد، لا يحمل أي نوايا للتخلي عن العنف، وهو ما يجعل من محادثات جنيف "مهزلة".
في الوقت الحالي، نرى أن الولايات المتحدة التي تصب كل اهتمامها على ما يسمى بالحرب على داعش، من دون استراتيجية واضحة أو فعالة، ليس لديها النية لكف يد روسيا، أو إجبار نظام الأسد على التفكير بجدية في المرحلة الانتقالية. تبدو الولايات المتحدة أكثر اهتماماً بالتحالف مع بعض المجموعات في شمال سوريا وتغيير المشهد لتجنب سقوط المزيد من الضحايا وتحقيق الوعود التي قدمتها للمعارضة السورية.
لن تُجد استراتيجيات الحرب على داعش ولن تعرف النجاح من دون أن تتضمن جانباً خاصاً بالتعامل مع نظام الأسد. فداعش ونظام الأسد هما شيطانا الحرب السورية، ويغذيان بعضهما البعض. وحتى اليوم، لم يتخذ النظام السوري أو روسيا أي نشاط جدي ضد داعش. وبالمثل، أوقع داعش، خلال العامين الماضيين، ضحايا في صفوف المعارضة السورية والمدنيين أكثر مما أوقع في جنود النظام.
إن من الفشل الأخلاقي والسياسي أن تقول أن نظام الأسد فقد شرعيته -كما يردد المسؤولون الأمريكان على أسماعنا في كل مناسبة- ومن ثم تسمح له بارتكاب المزيد من جرائم الحرب وتجويع الرجال والنساء والأطفال حتى الموت، وقتلهم بالبراميل المتفجرة وقصف مستشفياتهم ومخابزهم. النظام وحلفاؤه مصرون على الاستمرار في ذلك حتى النهاية. والمحادثات من دون تغيير توازن القوى على الأرض لن يخدم سوى النظام المجرم.
المعارضة السورية طالبت بوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية والإفراج عن السجناء. هذه المطالب شرعية ومنصوص عليها في المفاوضات والتفاهمات التي قادت إلى محادثات جنيف3. لكنه بدا واضحاً منذ اليوم الأول، أن النظام ليس مهتما بخوض محادثات جدية حول الفترة الانتقالية. فقد قبل الدخول في المحادثات لكسب المزيد من الوقت وتحقيق مكاسب عسكرية وتقدم على الأرض. كما أنه قام بتأخير ورفض معظم مطالب الأمم المتحدة بإرسال المساعدات الإنسانية. بينما أظهرت الأمم المتحدة موقفا ضعيفاً أمام التحركات العسكرية لتحالف نظام الأسد-روسيا-إيران.
لا بد من استمرار الحرب على داعش، ولكن لا يجب أن يكون ذلك على حساب الإذعان للأعمال الوحشية لنظام الأسد. من الواضح تماماً اليوم أن كلاًّ من روسيا وإيران ونظام الأسد يستخدمون داعش كذريعة لممارسة سياساتهم في سوريا والشام. الحقيقة المزعجة تتمثل في أن هؤلاء الذين يدعون الحرب على داعش، لا يفعلون ذلك حقيقة على الأرض.
أوروبا تتوقع من تركيا وقف تدفق اللاجئين السوريين، بينما يفشل العالم في حمايتهم من قصف روسيا والنظام. لقد بدأ الآلاف من سكان حلب التدفق باتجاه تركيا هذا الأسبوع، بعد أن سيطر النظام على العديد من القرى المهمة في شمال المدينة. بينما العالم يشاهد دون حراك.
وهو ما يرسل رسالة واحدة تفيد بأن الحق يحالف القوي وصاحب الغلبة دائماً، وهي رسالة كارثية للشعب السوري وللعالم. إن كان العالم يرغب بالفعل في احتواء أزمة اللاجئين وإيقاف توسع تنظيم داعش الإرهابي، فقد كان عليه أن يفعل المزيد من أجل إيقاف الحرب في سوريا، وخلق مناطق آمنة للشعب السوري.
وكل ما عدا ذلك، مجرد كلام فارغ.