كان اسقاط المقاتلة الروسية نتيجة اختراقها المجال الجوي التركي، أحد تداعيات الأزمة السورية. الحادثة أدت الى توتر قصير المدى في العلاقات التركية الروسية، لكنه لن يعرقلها. فللعلاقات التركية الروسية من العمق والرصيد السياسي والاقتصادي ما يكفي لجعلها تتخطى هذه الأزمة.
الطائرات الحربية الروسية اخترقت المجال الجوي التركي عدة مرات سابقة. ويبدو أن التحذيرات التركية لم تصل آذان الجيش الروسي. مؤخرا، وخلال قمة الدول العشرين في أنطاليا، تناول الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين المسألة مرة أخرى واتفقا على تجنب الحوادث المشابهة على الحدود السورية التركية. فقواعد الاشتباك التركية واضحة، وتم ارسال رسائل واضحة حولها الى جميع الأطراف في المنطقة.
لم تكن الحادثة سلوكا عدائيا تجاه روسيا. فقد تم التعرف على هوية الطائرة بعد سقوطها. وعلى الرغم من الاختلافات الكثيرة بين روسيا وتركيا في المسألة السورية، إلا أن تركيا لم تستهدف مصالح روسيا، وليس لديها أي نية للقيام بذلك. في الحقيقة، تركيا لم تشارك في العقوبات ضد روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية. الطرفان طورا العديد من العلاقات الاقتصادية خلال العقود الماضية، وخلقا الكثير من الفرص لمواطنيهما.
ان من الطبيعي نشوء حالة من التوتر عقب الحادثة، لكن العلاقات بين تركيا وروسيا تملك من العمق والاتساع ما يكفي لجعلها تتخطى هذه الحالة.
ان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي طور علاقات جيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقوبل بالانتقاد الغربي على ذلك، عبر عن حزنه لوقوع الحادثة. ففي حديثه الى قناة فرانس 24، قال أردوغان: "لو أننا كنا نعلم أن الطائرة لروسيا لربما تصرفنا بشكل مختلف".
لكن ذلك لا يغير حقيقة أن تركيا –وهي الدولة العضو في حلف الناتو- تملك الحق في الدفاع عن أرضها ومجالها الجوي ضد اي انتهاكات. فالمجال الجوي التركي هو مجال جوي لحلف الناتو.
وكما قال رئيس الوزراء التركي، أحمد داوود أوغلو: "ان اسقاط طائرة مجهولة الهوية داخل المجال الجوي التركي، ليس –ولم يكن- عملا ضد أي دولة بعينها. فتركيا قد اتخذت موقفها بناء على قواعد الاشتباك الجوي، لحماية سيادتها على أراضيها. وبينما تواصل تركيا الايفاء بمتطلبات حماية أراضيها، ستعمل أيضا مع حلفائها ومع روسيا لتقليل حدة التوتر".
ان الادعاءات التي تقول بأن تركيا تدعم تنظيم داعش، وتشتري منه البترول، هي جزء من حملة تشويه ليس لها أي أساس من الصحة. على المدعين بذلك أن يقدموا دليلا واحدا ملموسا يدعم ادعاءاتهم. بدلا من فعل ذلك، نجدهم يواصلون سرد قصص وحكايات دون الإشارة الى أماكن حدوثها أو أسماء مصادرهم. ولكن ما نعلمه علم اليقين، هو أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد فرضا عقوبات على شخصيات مهمة تشتري البترول من تنظيم داعش لصالح نظام بشار الأسد. هذه العقوبات تشكل رجال الأعمال السوريين، جورج حصواني، ومدلل خوري، وبنك سوري، وقرصان اليومزهنوف، وهو رجل أعمال روسي ثري، ورئيس اتحاد الشطرنج العالمي.
وفيما يتعلق بالإرهابيين الاجانب الذاهبين الى سوريا، فإن تركيا فعلت ما لم تفعله دولة أخرى. فقد قامت بتسفير 2500 شخصا، ومنعت 25000 شخص من الدخول الى أراضيها، للاشتباه بنواياهم الارهابية. كما قامت باعتقال المئات من الأفراد للاشتباه بعلاقات تربطهم بداعش. الدول التي قدم منها هؤلاء، بدأت تشديد إجراءاتها الأمنية بعد هجمات باريس فقط. ان التعاون والتبادل الاستخباراتي هو الكلمة المفتاحية للنجاح في وقف تدفق المقاتلين الأجانب الى صفوف داعش. فليس هناك دولة قادرة على التعامل بمفردها مع الارهاب العالمي العابر للحدود.
ان القاء كلمات اللوم والعتاب يجب ان يترك جانبا. وبدلا من ذلك، لا بد منم التركيز على القيام بحرب فاعلة ضد داعش، والتوصل الى انتقال سياسي عادل ومعقول في تركيا. ان الخطة الروسية الايرانية لحماية الأسد سوف تقوي من عزم داعش والتنظيمات الارهابية الأخرى. استهداف مجموعات المعارضة السورية المعتدلة سوف يخدم المتربعين على قمتي الاجرام في الحرب السورية؛ نظام الأسد، وتنظيم داعش.
على العالم أن يتخلص من هذين الشيطانين في الوقت ذاته. وكما أشار الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والفرنسي فرانسوا أولاند في المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقداه في البيت الأبيض، فإنه لا مكان للأسد في مستقبل سوريا. فبقاؤه في السلطة يعني امتداد واستمرار الحرب في سوريا، معطيا المساحة والحجة لتنظيم داعش للاستمرار في استجلاب المزيد من الارهابيين. ان داعمي نظام الأسد يعمقون الأزمة ولا يساعدون بحلها، من خلال دعمهم للنظام في حربه الاجرامية.
هناك الكثير من الأسئلة تدور حول العمليات العسكرية الروسية التي تقوم بها في منطقة جبل تركمان قرب الحدود التركية. فليس هناك وجود لمجموعات تنظيم داعش في مناطق التركمان السوريين. المقاتلات الروسية تقصف مجموعات المعارضة السورية المعتدلة لمساعدة نظام الأسد بالتقدم باتجاه منطقة جبل الشغور وإدلب الواقعتان تحت سيطرة المعارضة السورية. هذه استراتيجية خاطئة كونها لن تساعد في الحرب على داعش. في الحقيقة، فإن 90% من الهجمات الروسية التي شنت حتى الآن استهدفت مجموعات المعارضة السورية المعتدلة، ولم تستهدف داعش.
إن كانت روسيا جدية في نيتها تقويض داعش، فإن عليها ايقاف استهداف المجموعات السورية التي تحارب داعش، كما يتوجب عليها المساعدة في التوصل الى عملية انتقال سياسي قادرة على القضاء على ارهاب داعش ونظام الأسد سويا. لا أحد يعترض على استهداف روسيا أو الولايات المتحدة أو فرنسا لتنظيم داعش. والانقسامات غير الضرورية بين أعضاء التحالف المضاد لداعش سوف يخدم فقط الارهابيين ونظام الأسد. على القوى الكبرى في العالم أن تركز على الأسباب الحقيقية التي أفرزت ارهاب داعش، وارهاب الدولة الذي يمارسه نظام الأسد وازمة اللاجئين، بدلا من الدخول في منافسات باهظة الثمن فيما بينها.