في العاشر من أوكتوبر عام 2015، شهدت أنقرة أكبر هجوم ارهابي على الأراضي التركية. حيث قتل ما يقارب 102 شخصا، وجرح أكثر من أربعمئة آخرين. تركيا ما زالت تلبس عباءة الحداد بعد هذا الهجوم الأرهابي.
تدور اليوم جولة تحقيقات شاملة، إذ تم اعتقال ما يزيد عن الاثني عشر شخصا. لنحصل على المزيد من التفاصيل عن الحادث مع تعمق التحقيقات. النيابة العامة لا تستثني أيا من الاحتمالات، بما فيها وقوف تنظيم الدولة (داعش)، أو تنظيم حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) خلف الحادث. وفي نفس الوقت، اتخذت الحكومة العديد من الاجراءات ورفعت التأهب الأمني في المناطق المزدحمة، وعزلت قيادات أمنية في أنقرة من أجل ضمان سلامة التحقيقات. الأحزاب السياسية أيضا ألغت أو أعادت جدولة مهرجاناتها الانتخابية الكبيرة.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمر مجلس التحقيقات الحكومي للنظر في الهجمات، والتحقيق في احتمالية وجود أي خلل أو تقصير أمني أو استخباراتي.
ان هذا الهجوم المريع يؤكد مرة أخرى على أن الارهاب ظاهرة عالمية، وبحاجة الى تعاون وتضامن دولي. أولئك الذين يدعمون أو يمولون، أو يبررون، أو يشيدون بالارهاب مسؤولون أيضا عن الألم والكرب الذي يصنعه الارهاب.
يجب على أصدقاء وحلفاء تركيا، أن يقفوا الى جانبها، معبرين عن تضامنهم ضد جميع أشكال الإرهاب، الصادرة عن تنظيم بي كا كا أو داعش. فتركيا غير المستقرة ليست في مصلحة أحد. فاستقرار تركيا هو مفتاح الاستقرار في المنطقة، خاصة ونحن أمام أزمة اللاجئين المتنامية.
وفي الوقت الراهن، تحارب تركيا ضد ثلاثة تنظيمات ارهابية كبرى، تنظيم داعش، وبي كا كا، وجبهة حزب التحرر الشعبي الثوري، وهو تنظيم ارهابي يساري. كل من التنظيمات الثلاث يملك أجندته الخاصة لكنه أيضا يهدف الى زعزعة استقرار تركيا، قبل انتخابات الأول من نوفمبر.
فتركيا جزء من الائتلاف العالمي ضد تنظيم الدولة، وتفتح قواعدها العسكرية وفضاءها الجوي لشن هجمات ضد أهداف تنظيم الدولة في سوريا. وحتى اليوم، منعت تركيا ما يقارب 20.000 مشتبه به من الدخول الى تركيا، وقامت بترحيل ما يقارب 2000 آخرين. وبعد هوجوم سوروتش، في الـ 20 من يوليو/تموز، تم اعتقال ما يقارب الـ 200 من المتهمين بالانتماء الى تنظيم الدولة. وبما أن تركيا قد اتخذت موقفا واضحا ضد تنظيم الدولة، فإن التنظيم قد ركز انتباهه على تركيا، متهما رئيسها والحكومة بالتعاون مع الغرب وخيانة العالم الإسلامي، وإلى ما هنالك. وقد هاجم تنظيم الدولة أهدافا تركية من قبل وليس من الغريب أن يعيد الكرة ثانية.
وبينما يتركز انتباه العالم على الحرب ضد تنظيم الدولة، فإن تركيا تحارب بدورها تنظيم بي كا كا الارهابي في الوقت نفسه، فقد قتل التنظيم عشرات من القوات الأمنية، والمدنيين، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة. وبعد عامين من الهدوء، بدأ تنظيم بي كا كا بشن هجمات ارهابية في الصيف وقام بتحريك مسلحيه في المدن.
المثير للاهتمام، أن الأفرع الارهابية للتنظيم في المدن، بدأت القيام بعمليات انتقامية في المدن الكبرى، قبل أسبوعين فقط. وقد هددت مجموعة تطلق على نفسها اسم "كتائب الخالدين" بالقيام بتفجير ضخم في إحدى المدن الكبرى. وقد أكد على ذلك القيادي في تنظيم بي كا كا في جبال قنديل، مراد كارا يلان، في الثامن والعشرين من أيلول/ سبتمبر الماضي. وبعد حدوث التفجير، تم اعتقال شخصين يشتبه في ارتباطهما بتنظيم بي كا كا وحزب الشعوب الديمقراطي. وستنكشف المزيد من التفاصيل عند انتهاء التحقيقات.
من الواضح أن الهدف هو نزع الاستقرار في تركيا قبل انتخابات الأول من نوفمبر. بالإضافة الى خلق حالة من الشعور بانعدام الأمن وعدم الثقة بين المواطنين الأتراك في المنطقة المضطربة أصلا. وآخر ما تريد الحكومة رؤيته بالتأكيد هو حالة الفوضى والذعر في صفوف المواطنين قبل أقل من ثلاثة أسابيع على موعد الانتخابات.
ومع ذلك، فبعض السياسيين والمعلقين وجهوا اتهامات فظيعة تشير الى أن الحكومة تقف خلف هجوم أنقرة. إن ادعاءً كهذا، دون أدنى دليل، يبدو سخيفا وغير مسؤول. ويشبه تماما القول بأن الولايات المتحدة هي من تقف خلف تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، أو أن الجكومة البريطانية تقف خلف تفجيرات السابع من تموز/يوليو. كل من يقدم ادعاء على هذه الشاكلة، سيكون موضع السخرية والاستخفاف، ومثالا على عشاق نظرية المؤامرة. المثير للسخرية، أن الذين كانوا يتهمون الحكومة التركية بتشرب نظرية المؤامرة أصبحوا هم أنفسهم اليوم من يلفقون أعجب نظريات المؤامرة، لتحقيق مكاسب سياسية رخيصة. هذه هي السياسات غير المسؤولة، والتي لا تستطيع أن تقودنا الى السلام والثقة والأمن.
يجب علينا أن نرفض جميع محاولات الاستغلال السياسي التي تتزامن مع حداد الشعب. فبدلا من السعي خلف المكاسب السياسية الرخيصة، يجب علينا التوحد جميعا ضد جميع أشكال الارهاب، بما فيها بي كا كا وداعش وغيرها. أولئك الذين يقدسون ارهاب بي كا كا ويسعون لتبريره من خلال استغلال الحرب في سوريا والحرب ضد داعش، لا يخونون المبادئ الأخلاقية الأساسية فحسب، بل ينمون الحقد والعداوة. خطأ على خطأ لا يخلقان صوابا. يجب أن نرفض ارهاب داعش وبي كا كا من دون أن نخلق تسلسلات هرمية للجيد والشرير.
أنا واثق تماما أن بإمكاننا تخطي هذا الخطر، اعتمادا على تاريخ تركيا في الحرب على الارهاب منذ السبعينيات.