لقد صعد تنظيم حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) من شدة هجماته على قوات الأمن والمدنيين في تركيا، منذ انتخابات السابع من يوليو/حزيران. التنظيم الذي يسعى دائما لاختلاق الذرائع، لتأجيل ترك السلاح، يستخدم اليوم الحرب الدائرة في سوريا، لكسب الشرعية في عيون المجتمع الغربي. ولسوء الحظ، فإن العديد من وسائل الإعلام الغربية البارزة، مثل الـبي بي سي، والجارديان، ورويترز، والتايمز، ونيويورك تائمز، وغيرها، قد تبنت رواية التنظيم، وأصبحت تعاونه في لعبته القذرة.
وكما أشرت سابقا، فقد رفض تنظيم حزب العمال الكردستاني، أي فرصة له للتخلي عن السلاح، في السنوات الاثنين ونصف الأخيرة. وعلى الرغم من نداءات قائده السجين، عبدالله أوجالان في آذار/مارس عام2013، والاجراءات الاجتماعية والاقتصادية التي اتخذتها الحكومة التركية، فإن التنظيم والتنظيمات التابعة له ما زالت تائهة في أسطورة "النضال من أجل الشعب" التي تخدع بها نفسها. أي نضال هذا؟ ضد من؟ ومن أجل من؟
لقد قتل التنظيم، خلال تاريخه الوحشي والدموي، العديد من الأكراد والأتراك وغيرهم. كما قام بإعدام العشرات من القادة الأكراد، وحارب الأكراد في العراق في التسعينيات، واضطهد أكراد سوريا منذ اشتعال الحرب فيها. كما أنه مدرج على لائحة الإرهاب في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ودول أخرى.
وأصدرت مؤسسة هيومن رايتس ووتش، عدة تقارير أشارت فيها الى تفاصيل تجنيد الأطفال من قبل تنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي، الجناح التابع لتنظيم حزب العمال الكردستاني، في سوريا. وهو ما يعد انتهاكا صارخا لاتفاقية جنيف. كما أشارت المؤسسة أيضا الى العديد من الانتهاكات والاعتداءات في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم.
وبعد أن سيطر تنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي على منطقة تل أبيض، أجبر العرب والتركمان على الهجرة، لصالح خلق واقع ديموغرافي لصالحه في المنطقة. ولطالما ثارت شكوك حول علاقة خفية تربط تنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي بنظام الأسد.
وكما كتبت "هلال قبلان" لصحيفة ديلي صباح، فإن تنظيم حزب العمال الكردستاني يستخدم أساليب مماثلة تتمثل في تجنيد أطفال دون سن الثامنة عشر. وعندما طالب ذوو الأطفال بإطلاق سراح أطفالهم وإعادتهم، كان كل ما حصلوا عليه هو العتاب بنكهة نظريات الؤمرة السخيفة التي يختلقها التنظيم.
إن ما يسمى "الانسانية العظيمة" لتنظيم حزب العمال الكردستاني، ودعايته الاعلامية، تتحول الى أساليب عسكرية وقاسية عندما تواجه الانتقاد العقلاني. إن هذه الأمثلة تغيب عن الإعلام العالمي، لأن الأخير مشغول في تحويل التنظيم الى "ارهابيين صالحين" و"حمامات سلام".
إن دوران الاعلام الغربي حول دعم تنظيم حزب العمال الكردستاني، يعود كله الى الحرب القائمة في سوريا، والحرب على تنظيم الدولة (داعش). يبدو أن الفرضية التي ينبني عليها الدعم هي اعتبار كل من يدعي محاربة تنظيم الدولة (داعش) قوة للخير. ولتسويق تنظيم العمال الكردستاني الى الجمهور، فأنت بحاجة الى قصص توحي بأنه يقوم بعمل بطولي في محاربة البربريين. لكن تجميل الارهابيين الدمويين واظهارهم بصورة حمامات السلام، ينطوي دائما على شراكة محفوفة بالخطر.
هناك مبالغة في الرواية حول تنظيم العمال الكردستاني وحربه ضد تنظيم الدولة، بتضحيات بطولية، من أجل خلق مساحة للمناورة السياسية وإضفاء الشرعية على تنظيم العمال الكردستاني.
كما تعد هذه الرواية أسلوبا ناجعا في ابعاد الأعين عن القصة الحقيقية الفظيعة، والتي تتمثل في آلة القتل التابعة الى نظام الأسد والتي لا تنفك عن ارتكاب الجرائم بحق الشعب السوري. فالأسبوع الماضي، قصفت الطائرات الحربية السورية منطقة "دوما"، في شمال العاصمة دمشق، وقتلت ما يزيد عن مئة من المدنيين. وهو ما أشارت الأمم المتحدة الى امكانية اعتباره جريمة حرب. لكننا نعلم جميعا أن كل هذه التحقيقات والنداءات لن توقف نظام الأسد المجرم، الذي قام بقتل ما يزيد عن ثلاثمئة ألف من شعبه، واستخدم الأسلحة الكيماوية وارتكب جرائم الحرب.
إن تنظيم حزب العمال الكردستاني يعد تهديدا حقيقيا، ولا بد من قتاله بدون هوادة. ولكن من الخطأ، سياسيا وأخلاقيا، استخدام تنظيم الدولة (داعش) في خلق وتطبيق سياسات بالوكالة في سوريا والجوار. فكما استخدم النظام السوري ومناصروه تنظيم الدولة كذريعة للحفاظ على النظام في دمشق، فإن تنظيم حزب العمال الكردستاني يستخدم تنظيم الدولة استخداما مشابها لخدمة أجندته السياسية. ولكن ليس من المسموح خداع العالم. وعلى اولئك الذين مدوا يد العون الى تنظيم العمال الكردستاني أن يدركوا أنهم قد أصبحوا جزءا من اللعبة القذرة التي يقودها التنظيم.
إن تركيا تحافظ على موقفها المبادئي: فبينما تستمر في مسيرتها لادخال اصلاحات سياسية واقتصادية، في سبيل التوصل الى حل سلمي للنزاع الدائر منذ 30 عاما، فهي تواصل أيضا حربها على إرهاب تنظيم حزب العمال الكردستاني. وعلى الرغم من الهجمات الارهابية من قبل تنظيم حزب العمال الكردستاني، ومكينته الاعلامية، فغن تركيا ستحافظ على التوازن الصحيح بين الحرية والديمقراطية من جهة، والأمن والاستقرار من جهة أخرى.