ان العملية المزدوجة التي تشنها تركيا ضد تنظيم الدولة (داعش) وتنظيم حزب العمال الكردستاني (بي كا كا)، تحمل إشارة الى استراتيجية أوسع لإعاقة وتدمير المخاطر الإرهابية في تركيا، وفي الجوار الاقليمي. إن عمليات تركيا مبررة ومكفولة في القانون الدولي. كما أن حلفاء تركيا، كالولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي والدول العربية قد عبروا عن دعمهم. على الرغم من وجود بعض المنتقدين الذين وجهوا اتهامات سخيفة، لتشويه انجاز تركيا في حربها على الارهاب.
لقد اتهِمت تركيا، ظلما ومن دون أي دليل، باعطاء الضوء الأخضر لتنظيم الدولة (داعش)، بل حتى ودعمه. وكان هذا الادعاء مناسبا في الوقت الذي فشل فيه المجتمع الدولي في إزاحة نظام الأسد وايقاف الحرب. فتم اختيار تركيا لتكون كبش الفداء.
ان أولئك الذين وجهوا هذه الاتهامات، لم يهتموا حتى بتغطية الاجراءات التي قامت بها تركيا ضد تنظيم الدولة، إعلاميا. فلن تقرأ في عناوينهم أن تركيا قد اعتقلت المئات من عناصر تنظيم الدولة، والمشتبهين بالانتماء اليه، بالإضافة الى ترحيل الآلاف خارج تركيا، أو عن رد تركيا بالمثل على هجمات تنظيم الدولة على الحدود السورية، أو فتح قاعدة انجيرليك الجوية للائتلاف الدولي ضد تنظيم الدولة، في الداخل السوري.
فبينما تحمل تركيا العبء الثقيل المتمثل في استضافة مليوني لاجئ، فهي تواصل اتخاذ الاجراءات ضد تنظيم الدولة.
لكن أكثر القصص سخرية، تلك التي تدور حول حرب تركيا على تنظيم حزب العمال الكردستاني. لا شك بأن معظم وسائل الاعلام الغربية تتناول المسألة من باب تبييض صفحة تنظيم حزب العمال الكردستاني، وتبرير هجماته الارهابية. انهم يهملون تماما حقيقة وجود التنظيم على لائحة الارهاب في الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي. ويحاولون تقديم التنظيم على أنه حمامة سلام، لكنهم لا يستطيعون تغيير الحقائق على الأرض. وكما يشير الكاتب التركي، خليل بيركتاي، فحتى لغة قناة بي بي بي الاخبارية، حول ارهاب التنظيم، تنم عن مدى الخديعة والتضليل.
من المفيد النظر باختصار في ما جرى خلال العامين الماضيين، لمعرفة من الذي استغل وأفشل عملية السلام الداخلي. هذا تذكير بالتسلسل التاريخي: في عيد النيروز، الموافق للـ 21/مارس/ 2013، دعا قائد تنظيم حزب العمال الكردستاني المعتقل، عبد الله أوجالان، للمرة الأولى، الى ترك السلاح. وفي 7/مايو/2015، أعلن القائد العسكري للتنظيم، مراد كارايلان، أن التنظيم سوف يسحب جميع قواته من الأراضي التركية.
وفي 2/يوليو/2013، هاجم تنظيم حزب العمال الكردستاني مركزا للشرطة، في "ليسي" في دياربكر، مخلفا قتيلا واحدا اثر تبادل اطلاق النار. وفي 9/سبيتمر/2013، انتٌخب جميل بايك، رئيسا لاتحاد المجتمعات الكردية. وفي بيانه الأول، ألمح "بايك" الى اعادة استئناف الهجمات الارهابية. وفي 30/سبتمبر/2013، أعلن رئيس الوزراء (آنذاك)، رجب طيب أردوغان، عن حزمة شاملة للاتجاه للديمقراطية، ولمعالجة أهم المتطلبات الشرعية لعميلة السلام الداخلي. إلا أن تنظيم حزب العمال الكردستاني، رد بالمقابل من خلال الاعلان عن تشكيل قوات ميليشيا مدنية جديدة، تحت اسم "حركة الشباب الثوري الوطني".
وفي عيد النيروزالتالي، الموافق 21/مارس/2014، دعا أوجالان مرة أخرى، تنظيم حزب العمال الكردستاني الى وضع السلاح. وقد تم قراءة رسالته باللغتين التركية والكردية في دياربكر. وفي 1/يونيو/2014، ذهب وفد من حزب الشعوب الديمقراطي للقاء أوجالان. وقد شهد شهر يونيو العديد من الهجمات الارهابية على يد التنظيم، والتي أسفرت عن سقوط عسكريين ومدنيين. وفي 8/أوكتوبر/2014، دعا زعيم حزب الشعوب الديمقراطي، صلاح ديميرتاش، الى تظاهرات عامة في الشوارع بذريعة كوباني.
التظاهرات أدت الى مقتل خمسين مواطنا، وأعادت حالة الاستقطاب الى الشارع مجددا. وهاجمت أحزاب المعارضة الحكومة لكونها ناعمة جدا في التعامل مع تنظيم حزب العمال الكردستاني. وفي 20/ديسمبر/2014،صرح جميل بايك بأن "ترك السلاح يعني الموت لتنظيم حزب العمال الكردستاني". وفي 28/فبراير/2015، دعا أوجالان التنظيم مرة أخرى لترك السلاح. وفي أبريل ومايو من العام ذاته، هاجم التنظيم قوات الأمن في شرق وجنوب شرق تركيا، كما أثار الذعر في صفوف المواطنين، قبل انتخابات السابع من حزبران، كما أغلق الطرق، وجبى الأموال من الناس عنوة، وحرق مركبات، وهاجم السدود وأثار الذعر لدى كل من لم ينصع لأوامره. وبعد الهجمة الارهابية في "سوروتش"، في العشرين من حزيران، حيث قتل 33 من المدنيين، كثف تنظيم حزب العمال الكردستاني هجماته وأعلن الحرب المفتوحة.
وبناء على هذه الخلفية، شنت تركيا حملتها العسكرية ضد تنظيم حزب العمال الكردستاني.
وعلى الرغم من جميع الاجراءات الديمقراطية والاقتصادية التي اتخذتها الحكومات التركية المتعاقبة، من أجل تحقيق عملية السلام الداخلي، فإن تنظيم حزب العمال الكردستاني قد رفض ترك السلاح. والسبب واضح، فالتنظيم يرى في ترك السلاح إلغاء لسبب وجوده. لذلك فهو يختلق الأعذار من أجل مواصلة هجماته الارهابية. وكما قال رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو في مقال للواشنطن بوست، "ان تنظيم حزب العمال الكردستاني، المصنف على لائحة الارهاب في الولايات المتحدة، يعود مجددا الى العنف، مع الأمل في أن يساعده استغلال المشهد في سوريا على تقوية موقفه أمام الغرب".
كما ستعمل تركيا، ورئيسها رجب طيب اردوغان، على حماية المواطنين، من جميع أشكال الارهاب، سواء على يد تنظيم حزب العمال الكردستاني، أو تنظيم الدولة، أو جبهة حزب التحرر الشعبي الثوري، أو غيرهم. وسيعتمد مستقبل عملية السلام الداخلي على الترك الشامل، وغير المشروط للسلاح، من قبل تنظيم حزب العمال الكردستاني. وعلى المهتمين حقا بالسلام في تركيا، أن يتخذوا موقفا واضحا من ذلك، وأن يدعوا حزب العمال الكردستاني لوضع السلاح، بدلا من تبني نظريات المؤامرة والدعاية الاعلامية التي يخلقها.
وعلى الرغم من استخدام البعض للارهاب كأداة في العمل السياسي، فإن تركيا لن تتراجع عن مكاسبها الديمقراطية، وستستمر في الحفاظ على التوازن بين الأمن والديمقراطية وتوفيرهما لجميع مواطنيها.