جسدت الأجواء المتوترة التي سادت المؤتمر الصحفي الأخير بين وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو مع نظيرته السويدية آن ليندي خلال زيارتها لتركيا، فقدان بروكسل لقوتها الناعمة التي اعتادت ممارستها على أنقرة.
وحول انسحاب القوات التركية من شمال سوريا قالت ليندي: "لا يزال الموقف الثابت للاتحاد الأوروبي كما هو. نحن نواصل حث تركيا على الانسحاب".
ورداً على ذلك، تحدث تشاوش أوغلو بصراحة شديدة وبشكل مباشر وقال: "نحن نؤكد الشيء ذاته في كل اجتماع، في اجتماعات سوتشي وفي اجتماعات أستانا وفي جنيف وفي جميع اللقاءات التي تتعلق بإدلب ألا وهو وحدة أراضي سوريا. نحن لا نريد تقسيم سوريا، لكنكم تطلبون من تركيا الانسحاب من سوريا لغاية دعم تنظيم بي كا كا الإرهابي الذي يريد تقسيم سوريا. لماذا لا تطلبون من تركيا الانسحاب من إدلب أو من المناطق التي طهرناها من تنظيم داعش؟ لماذا لا تفعلون؟ لأننا إذا انسحبنا من إدلب، فسيأتي 3 ملايين لاجئ جديد إلى تركيا، ويعبرون إلى دول الاتحاد الأوروبي".
وأوضح تشاوش أوغلو أن تضامن الاتحاد الأوروبي المنحاز مع اليونان في شرق البحر المتوسط، ودعمه غير المشروط لها مقابل تجاهل تركيا، هو أمر يتم التعامي والتغافل عنه قائلاً: "إن المصادقة على جميع مطالب اليونان وقبرص الرومية والإقرار بصحتها غير مقبول. علاوة على ذلك، أنتم تبدون حساسية عالية تجاه حقوق الإنسان والمهاجرين، وقمتم بشكرنا. ولكنكم بعدما أبديتموه من حساسية بشأن حقوق الإنسان، لماذا لا تنتقدون اليونان ولو لمرة واحدة على ما يفعلونه بالمهاجرين من قتل على الحدود وإغراق لقواربهم في بحر إيجه لدفعهم وإبعادهم؟ أليسوا بشراً؟ فلماذا إذاً؟ لأن اليونان تمنع المهاجرين من القدوم إلى أوروبا. لماذا؟ لأن اليونان عضو في الاتحاد الأوروبي وهناك روح تضامن تجمعكم، لذلك لا يمكنكم انتقادها. وهنا يكمن اعتراضنا بكل بصراحة. إنها ازدواجية المعايير".
لقد عكست أجواء الإجتماع الأخير الملل الذي تشعر به تركيا التي لا زالت تنتظر على أبواب بروكسل منذ 57 عاماً، لأنها لم تحصل على أي مقابل لقاء بذل قصارى جهدها، بما في ذلك تنفيذ عشرات الإصلاحات منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى إلى السلطة، ودعم خطة عنان في قبرص. وإذا ما أضفنا بيروقراطية الاتحاد الأوروبي إلى ذلك، كإرساله ممثلين إلى أنقرة بعد مرور أسبوعين من الانقلاب، واهتمامه بالمتعاطفين مع المنظمات الإرهابية مثل بي كا كا وجماعة غولن الدموية بحجة حقوق الإنسان، وتبنيه الخطاب المتعالي تجاه تركيا، فمن الواضح أنه لا توجد صورة مشرقة.
وفي الآونة الأخيرة، صرح مبعوث الاتحاد الأوروبي أن "نهج العصا والجزرة" لم يعد نافعاً مع تركيا. ومع ذلك، يحاولون تركيع تركيا من خلال العقوبات والحصار، وهي التي تحملت عبء اللاجئين، والتي تُركت وحدها في الحرب ضد الإرهاب القادم من سوريا، والتي لم تتلق دعماً من الناتو ولا من روسيا بالرغم من أنها واجهت روسيا في كل من سوريا وليبيا، ولكنها بدلاً من ذلك تركت لتعاني وحدها. بالإضافة إلى ذلك، يشوهون صورة تركيا عن طريق تقديم أنشطتها في مجال استكشاف الطاقة في شرق البحر المتوسط كما لو أنها جريمة، بالرغم من امتلاكها أطول ساحل في شرق المتوسط، في حين يتم منح اليونان تفويضاً مطلقاً كونها عضواً في الاتحاد الأوروبي.
إن الاتحاد الأوروبي يقوم بإظهار الجزرة من خلال تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي، وإزالة التأشيرات التي وعد بها منذ عام 2016، وبالطبع إعادة فتح فصول عضوية الاتحاد الأوروبي بالرغم من معرفة الأتراك أنه لن يفي بوعوده. وها هو الاتحاد الأوروبي لم يتخذ أية خطوات بشأن أيٍ من هذه النقاط، ولا حتى بالضغط على اليونان للحضور إلى أنقرة لإجراء محادثات استكشافية. ولكن عندما سئمت تركيا من سياسات فابيان ونشرت سفينة التنقيب "أوروتش رئيس" لإجراء البحوث داخل الجرف القاري مرة أخرى، اشتعلت الأزمة من جديد.
وختاماً، كل العناصر المذكورة أعلاه كفيلة بإيضاح الأسباب التي جعلت الاتحاد الأوروبي يفقد قوته الناعمة التي اعتاد ممارستها على تركيا.