حاولت فرقاطة فرنسية في الأسبوع الماضي اعتراض سفينة تبحر تحت حماية السفن الحربية التركية في البحر المتوسط.
تم تحذير الفرنسيين أولاً بأن السفينة المعنية تبحر تحت حماية جمهورية تركيا. وعندما كرر الفرنسيون محاولتهم، قامت السفن الحربية التركية بإنذار رادار الفرقاطة الفرنسية ثلاث مرات، في رسالة واضحة: "إذا تماديتم أكثر، فسوف نضربكم".
وبعد فشل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في اعتراض السفن التركية بالقوة، قال: "لقد نشرت تركيا سبع سفن قبالة شواطئ ليبيا وهي تنتهك حظر الأسلحة الدولي. إن تدخل تركيا في ليبيا غير مقبول ولا يمكن التسامح معه. سنجري محادثات حول هذا الأمر في الناتو".
الواقع أن تركيا لم تُغفل خليفة حفتر وعصابته الذين حاولوا الإطاحة بحكومة الوفاق الوطني الليبية في أبريل 2019 وهي الحكومة الوحيدة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في البلاد. لكن فرنسا لسوء الحظ، قدمت الأسلحة لقواتٍ غير شرعيةٍ في ليبيا ودعمتها سياسياً. وكانت النتيجة أنها خسرت. وهذا ما أغضب الرئيس الفرنسي ودفعه إلى تهديد تركيا العضوة في الناتو.
ويؤكد مقتل ثلاثة جنود فرنسيين في هجومٍ في ليبيا عام 2016 أن فرنسا قدمت بالفعل ومنذ فترة طويلة دعماً عسكرياً لقوات غير شرعيةٍ متورطة في الحرب الأهلية في البلاد، الأمر الذي ساهم في تدمير البلاد أكثر. وفي عام 2019 أثبت الكشف عن صواريخ فرنسية استخدمتها قوات الانقلابي حفتر للاستيلاء على قاعدة عسكرية أن دعم فرنسا غير المشروع لا زال مستمراً.
لكن "ماكرون" اختار أن يلعب دور النعامة في مواجهة هذه الحقائق، وتوقع أن يتم نسيان انتهاكه لحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة في ليبيا. وما حفتر هذا سوى مجرم حرب ضرب المباني والهيئات المدنية بما فيها المستشفيات والمدارس. المفروض أن يكون مكانه الطبيعي في زنزانة في لاهاي، لا أن يستضيفه قصر الإليزيه. وبالأمس فقط أعلنت الأمم المتحدة العثور على ثمانية مقابر جماعية في مدينة "ترهونة" التي تم استعادتها من قوات حفتر. فما هي الرسالة التي تبعثها فرنسا عضو حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي إلى العالم في دفاعها عن مثل هذا المجرم؟
كذلك تجدر الإشارة إلى أن تركيا تمت دعوتها لتقديم مساعدات عسكرية إلى ليبيا بشكل شخصي من رئيس حكومة الوفاق فايز سراج، على عكس المحرضين على الحرب الأهلية غير الشرعية. لقد هزم حفتر وعصابته بفضل دعم المسيرات التركية المسلحة والدعم الاستشاري الذي قدمته القوات المسلحة التركية لقوات الجيش الوطني الشرعية.
أما فرنسا التي استغلت القارة الأفريقية لقرون، فقبل انسحابها من مستعمراتها، جعلت اللغة الرسمية والتعليمية فيها هي الفرنسية وجعلت الأولوية الدائمة فيها للشركات الفرنسية، وواصلت استغلالها من خلال جمع الضرائب الاستعمارية سنوياً.
واليوم تتمتع ليبيا بأهمية حاسمة في الحفاظ على النظام الاستعماري الذي كرسته فرنسا في خمس دول في منطقة الساحل، حيث يتواجد 3000 جندي فرنسي، وفقا للأرقام الرسمية. ومع ذلك تفقد فرنسا قبضتها على المنطقة. وإذا كان ماكرون قلقاً من أن بلاده لن تكون قادرة على استغلال القارة الأفريقية بالسهولة التي اعتادت عليها، فنحن نأمل أن يتحول قلقه إلى حقيقة مثبتة.