يتطور التقارب بين تركيا وروسيا في الآونة الأخيرة إلى نوع مختلف من الشراكة. المثير للاهتمام أن تركيا، منذ أن أصبحت عضوا في الناتو في عام 1952، كانت تشكل تهديدا في نظر موسكو. ووفقا لروسيا، فإن تركيا ظلّت لسنوات دولة تابعة تسيطر عليها وتتلاعب بها الولايات المتحدة - المنافس الرئيسي لروسيا، بدلا من أن تكون بلداً يحمل صفة الجار.
ومع مبادرات الرئيس رجب طيب أردوغان، بدأت تركيا في اتباع سياسات خارجية مستقلة، في محاولة لتمهيد الطريق لتحسين العلاقات الوثيقة القائمة على المصالح مع روسيا. خلال فترة التطبيع هذه، أسقطت تركيا طائرة حربية روسية في سوريا. ورغم من ذلك، تمكنت العلاقات المتوترة التي أعقبت الحادث من العودة إلى مسارها الطبيعي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان أول زعيم يتصل بأردوغان في أعقاب محاولة الانقلاب الدامية في 15 يوليو / تموز 2016.
بعد ذلك بفترة قصيرة، حدث تطور استفزازي آخر في العاصمة التركية حيث قتل عضو جماعة غولن الإرهابية سفير روسيا في أنقرة، أندريه كارلوف.
وقد وعدت الإدارة التركية بكشف ملابسات القضية، بتعاون مشترك بين قوات الأمن التركية والروسية.
مؤكد أن اغتيال "كارلوف" كان يهدف فقط إلى تجميد العلاقات بين أنقرة وموسكو، لكنه لم يستطع فعل ذلك. وبدلا من ذلك، صارت الدولتان أقرب من أي وقت مضى.
بعد تلك الاستفزازات، توصلت تركيا وروسيا إلى اتفاق بشأن بيع نظام "إس-400"، وبناء محطة "أق قويو" للطاقة النووية ومشروع "تورك ستريم". بالإضافة إلى ذلك، قدم الطرفان، وكجزء من عملية السلام في أستانا، حلًا دبلوماسيًا مشتركًا ومتبادلًا لأزمة إدلب وبذلك ضربا مثالًا لبقية دول العالم.
يوم الأربعاء، سافر أردوغان إلى العاصمة الروسية للقاء بوتين. كان عنوان الاجتماع مستقبل سوريا. جدير بالذكر أن الرئيس الروسي شكر أردوغان على جهوده في تطوير العلاقات الثنائية.
والأهم من ذلك أن بوتين أكد من جديد أن اتفاقية أضنة التي وقعت في عام 1998 بين أنقرة ودمشق خلال عهد حافظ الأسد لا تزال قائمة.
قبل تلك الاتفاقية، كان الأسد قد طرد "عبد الله أوجلان" زعيم تنظيم "ب كا كا" من سوريا وأغلق جميع معسكرات التنظيم في كل من سوريا ولبنان.
كانت اتفاقية أضنة بمثابة الإعلان الرسمي لنظام دمشق بأن تنظيم "ب كا كا" هو تنظيم إرهابي مجرم. وبالتالي، فإن إشارة إلى بوتين إلى الاتفاقية تعني التزامه باعتراف تاريخي أن ميليشيا "ي ب ك" المرتبطة بتنظيم "ب كا كا" هي مجموعة إرهابية كذلك.
من ناحية أخرى، وبحسب بوتين، لابد لنظام دمشق أن يبقي على ارتبطاته مع "الجماعات الكردية"، إنما لم يكن واضحًا ما قصده الرئيس الروسي بالجماعات الكردية. بعبارة أخرى، بدا قوله غامضاً، ولم يفسر ما إذا كان يعني تنظيم "ي ب ك" الإرهابي الذي اضطهد الآلاف من الأكراد وشردهم، كما قالت الولايات المتحدة مؤخراً، أم يعني الأكراد المدنيين المحليين.
ووفقاً لتصريحات أردوغان، فإن تركيا وروسيا لم تتوصلا بعد إلى توافق مشترك حول تشكيل منطقة آمنة شمال سوريا. وفي حال توصلهم لهكذا اتفاق، فسيتم على الأرجح توضيح خريطة الطريق في اجتماع موسكو؛ لكن النقاط المحددة للخطة لم تكن في المناقشة.
خلاصة القول، لا يزال مستقبل السلام والاستقرار في سوريا يعتمد على المبادرات والتعاون المتبادل بين تركيا وروسيا، كما هو الحال في إدلب. وبالتالي فإن العملية التالية هي اختبار مهم آخر للطرفين.