إن الأحزاب السياسية التي بنت حملاتها الانتخابية على اقصاء حزب العدالة والتنمية وإخراجه من المعادلة السياسية، تبحث الآن عن سبل لتشكيل حكومة ائتلافية تحافظ على العدالة والتنمية داخل المعادلة السياسية. فعلى الرغم من أن رئيس حزب الشعب الجمهوري (كمال كيليشدار أوغلو) قد أشار إلى أن حزبه يرغب في تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الحركة القومية ومدعوماً من قبل حزب الشعوب الديمقراطي، إلا أن هذا الخيار أسقط سريعاً قبل ولادته عندما أعلن زئيس حزب الحركة القومية رفضه لخياري حكومة الأقلية والحكومة الائتلافية المدعومة من حزب الشعوب الجمهوري من الخارج.
وبذلك، يظهر جلياً أنه لم تبقَ أي فرصة لتشكيل حكومة ائتلافية من دون حزب العدالة والتنمية.
وعلى الرغم من حصوله على غالبية الأصوات، ظهر حزب العدالة والتنمية على أنه الحزب الأكثر سعياً نحو التسوية، من خلال خطابه. فهو لم يغلق أبوابه في وجه الشعوب الديمقراطي كما فعلت الحركة القومية، كما لم يتبنى خطاباً اقصائياً كما فعل الشعوب الجمهوري ضده. وعليه وبعد آخر التهديدات من مراد كارايلان من مقر حركة العمال الكردستاني الخارج عن القانون في جبال قنديل العراقية، أشار حزب الشعوب الديمقراطي إلى ميله للحوار مع حزب العدالة والتنمية. ومن جانب آخر يبدو حزب الشعب الجمهوري أكثر الأحزاب انفتاحاً على التسوية والدخول في ائتلاف مع العدالة والتنمية. فقد أشار كيليشدار أوغلو إلى أن أبواب الحزب مفتوحة أمام رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو، ولكنه أشار الى اشتراطه استلام رئاسة الوزراء في أي تشكيلة حكومية قادمة، وهو ما يعني أنه يرفع سقف مطالبه عالياً.
وعلى الرغم من ذلك، فإن ثمة دعاوى بوجود جناح في حزب الشعب الجمهوري، يتضمن "ولي أغبابا" و"سيزغين تانري كولو"، قد قال بأن: "الأولوية هي لتشكيل ائتلاف لا يكون فيه حزب العدالة والتنمية القوة الحاكمة"، وهو ما يعني وقوفه ضد تشكيل الائتلاف مع العدالة والتنمية. إلا أن شخصيات برتب أقل في الحزب وأخرى من خلفيات تحمل صفة "مركز اليمين " داخل الحزب أبدت انفتاحاً أكبر للائتلاف مع العدالة والتنمية.
الأزمة الحقيقية تكمن في كون القاعدة الشعبية لحزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري غير مرتاحين لقبول هذا النوع من التحالف. فلو تحالف هذان الحزبان المتناقضان تماماً فإنهما بذلك يبطلان كل مواقفهم السابقة تجاه بعضهم البعض، ويسقطان كل ما قدماه الى قواعدهما الشعبية على أنه حقائق. ولذلك فإن من المتوقع أن يخسر حزب العدالة والتنمية جزءاً من الأصوات التي حصل عليها لصالح حزب الحركة القومية في الانتخابات القادمة، إن دخل في الائتلاف مع الشعب الجمهوري.
والأزمة الأخرى تكمن في أنه وعلى الرغم من تفضيل القواعد الشعبية لحزبي العدالة والتنمية والحركة القومية لائتلاف يضم هذين الحزبين، إلا أن مسؤولي الحركة القومية وتحديداً "باهشيلي" يقفون ضد هذا الائتلاف. فتصريح "باهشيلي" ليلة الانتخابات عن رغبة حزبه في البقاء في المعارضة أغلق الباب أمام جميع التحالفات معه. ولخشية الحركة القومية من إعطاء انطباع بالعناد، قرر الحزب إغلاق الباب بطريقة أخرى من خلال اشتراط امور يعلم أن العدالة والتنمية لن يقبل بها مثل موقع ومكان سكن الرئيس الجمهوري. ولكن لا شيء يمنع حدوت المزيد من التطورات في هذا الصدد. فليس علينا سوى الانتظار والمراقبة. وليس من المستبعد أن تكون الانتخابات المبكرة بانتظارنا قريباً. فلننتظر ونرى.