هاجم انتحاري أحد المطاعم في وسط بلدة منبج السورية، مستهدفا "دورية حراسة روتينية" تابعة للقوات الأمريكية. قتل في الهجوم خمسة جنود أمريكيين، وأكثر من 10 مدنيين. وفي غضون ساعات أعلنت داعش مسؤوليتها عن الهجوم، وهرع بعض المحللين إلى القول بأن الهجوم يظهر أن داعش لم تهزم بالكامل، وأن انسحاب القوات الأمريكية قد يشجعها على إعادة التجمع والتحول إلى تهديد أكبر. هناك شيء من عدم الدقة في هذا الاستنتاج.
بدايةً، لقد بات من المعروف أن احتواء تنظيم داعش الإرهابي قد تم بنسبة كبيرة، لكن التنظيم الوحيد الذي هدد بإطلاق سراح 3200 من سجناء داعش وإحياء كيانهم الإرهابي هم، جماعة إرهابية أخرى، ولم يكن ذلك مفاجأة، فهم ميليشيا "ي ب ك" ذراع تنظيم "ب كا كا" الإرهابي.
تمتعت ميليشيا "ي ب ك" الإرهابية بدعم من الولايات المتحدة لمدة ثلاث سنوات. وقام البنتاغون بتجهيز وتدريب مسلحي الميليشيا التي تمكنت من السيطرة على معظم المناطق التي انسحبت منها داعش، وذلك بالطبع بفضل الضربات الجوية الأمريكية.
إن تنظيم "ي ب ك" الارهابي، الذي لا يعدو كونه "أقلية ضمن الأقلية" في سوريا، بمعنى أنه لا يمثل حتى معظم الأكراد السوريين قبل الدعم الأمريكي، يتمتع الآن بسلطة الحكم على المدن والبلدات العربية، بفضل "الرفاق" في حكومة الولايات المتحدة الذين أعانوهم على توطيد سلطتهم بنشر الخوف والإرهاب.
والآن، ومع احتمالية سحب هذا الدعم ببطء، تخشى المجموعة الإرهابية أن تتحمل المسؤولية عن جرائم الحرب التي ارتكبتها ضد السوريين.
ولكي لا ننسى، فإن حوالي 300 ألف لاجئ كردي سوري هربوا من إرهاب ووحشية "ي ب ك"، إلى تركيا حيث وجدوا ملاذاً آمناً فيها.
ولهذا السبب، فإنه من مصلحة "ي ب ك" الإرهابي إحياء تهديد داعش وتسويق كيانه على أنه "مناسب" مرة أخرى، لصناع القرار في واشنطن.
وفي هذا السياق، نجد أن ميليشيا "ي ب ك" وداعش هما الكيانان الوحيدان المستفيدان سياسياً من هذا الهجوم. ولهذا السبب تشكل هذه النقطة بالذات منعطف تحول تاريخي، لأنه إذا ما غيرت الولايات المتحدة قرارها بالانسحاب على أساس هجوم داعش، فإنها ستمنح الجماعة الإرهابية "المكانة" التي تخولها تقديم أجندتها إلى الرئيس الأمريكي ترامب. كما سيمنحهم قرار بقاء القوات الأمريكية "حجة قوية" لجمع المزيد من المجندين تحت شعار "القتال ضد الولايات المتحدة"؛ وهو واحد من أكثر الأسباب شعبية في الشرق الأوسط.
ومرة أخرى، إذا ما غيرت الولايات المتحدة قرارها بالانسحاب على أساس هجوم داعش، فسيواصل تنظيم "ي ب ك" ممارسة الإرهاب على السوريين مما يؤخر فرصة التوصل إلى حل سياسي للأزمة الحالية.