قام الرئيس الأمريكي بإطلاق فقاعات كاذبة لتشويه الواقع أمام الكثير من الناس حول تركيا، داخل البلاد وخارجها. وألقى في أذهانهم بكمية هائلة من النقاط العمياء والأوهام والشائعات. ومنذ أن نطق بكلماته الشائنة، لم يتمكن الكثير من الناس من رؤية الصورة الفعلية إذ وصف بايدن الرئيس رجب طيب أردوغان بأنه "مستبد"، مضيفاً "إنه رئيس تركيا وأكثر من ذلك بكثير".
وفي مقابلة مطولة مع هيئة تحرير صحيفة نيويورك تايمز، قال بايدن إنه "قلق للغاية من التطورات في تركيا" ودعا إلى "نهج مختلف تماماً" تجاه أردوغان من خلال "الانخراط" مع قيادات المعارضة التركية، كما فعل حين كان نائب الرئيس.
فما هي التطورات التي كان يشير إليها بايدن منذ أن كان مرشحاً للرئاسة؟
حسب بايدن "يجب على أردوغان أن يدفع ثمن معاملته للأكراد ليس فقط في الأراضي الأجنبية ولكن في الداخل أيضاً"، لأنه "حرم" الأكراد من حق التمثيل السياسي. فكيف كان يفعل ذلك؟ وفقاً لبايدن، كان أردوغان يحرم حزب الشعوب الديمقراطي الموالي لتنظيم بي كي كي الإرهابي من حق التصويت.
أما "النهج المختلف للغاية" الذي طبقه بايدن لاحقاً في تركيا من خلال وكلائه وسفراء الغرب والدمى المؤيدة للولايات المتحدة، فجاء اعتماداً على خطةٍ وضعتها فرق المحافظين الجدد في وزارة الخارجية الأمريكية موضع التنفيذ الحرفي، وهي خطة جورج سوروس رجل أعمال مجري أمريكي ومستثمر ملياردير يساري وفاعل خير وناشط سياسي، طبقها من خلال ثوراته البرتقالية في أوروبا وأوكرانيا. وتقضي الخطة بإنشاء "تحالف الخيمة الكبيرة ضد الديكتاتور". ولا تزال هذه الخطة سارية المفعول في كييف، إذ تم تجميع النازيين الجدد والشيوعيين في تحالف واحد ضد الحزب القومي التقليدي. وجرّب سوروس ذلك في موطنه المجر مؤخراً، لكنه لم يكن محظوظاً كما هو الحال في أوكرانيا، فقد أطاح الشعب المجري بخيمة سوروس الكبيرة وانتخب فيكتور أوربان لمدة أربع سنوات أخرى، بعد أن شغل منصب رئيس الوزراء منذ عام 2010، وشغل هذا المنصب سابقاً من عام 1998 إلى 2002.
مع ذلك، فإن الفرق السياسية التي تم تشكيلها على عجل لبايدن لم تكن تعرف أفضل من ذلك. لقد هندسوا تحالف الجماعات السياسية التي لا يمكن التوفيق بينها، في "تحالف السبعة" الذي ضم مجموعتين من اليمين المتطرف وحزبين اشتراكيين وحزبين ليبراليين وسطيين وحزب الشعوب الديمقراطي الانفصالي العرقي.
ثم وبعد عامين طويلين من المفاوضات، استقر تحالف المعارضة التركي أخيراً على مرشح للانتخابات المقبلة، وكان يُعرف التحالف حينها باسم "طاولة الستة"، لكنه تحول في وقت لاحق إلى "تحالف سبعة أحزاب"، دون اعتراف الولايات المتحدة أن سبب ذلك هو جعل حزب الشعوب الديمقراطي جزءاً من اللعبة. وأخيراً، وبعد مفاوضات مطولة ومساومات ولي ذراع، وافق حزب جيد القومي على دعم حزب الشعوب الديمقراطي لمرشحه المشترك، رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال قلتشدار أوغلو.
ولم يكن الأمر سهلا بالطبع، فمن مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إلى مجلس العلاقات الخارجية، ومن وزراء الحكومة الائتلافية الألمانية إلى رئيس فرنسا، ومن المتحدثين باسم جماعة غولن الإرهابية إلى قادة المنظمة الدموية. كما راح تنظيم بي كي كي الإرهابي المختبئ في كهوف شمال العراق والذي يمثل أقدام وزارة الدفاع الأمريكية على الأرض، وامتداداته في روج آفا إلى أنصار تلك "الخيمة الكبيرة"، في تشويه صورة تركيا وإدارة أردوغان بأي طريقة ممكنة.
20 يوما على موعد الانتخابات
إن الصورة المشوهة لإدارة أردوغان والسياسات الاجتماعية والاقتصادية التي نفذتها على مدى العقدين الماضيين، شارفت على الانتهاء الآن. ففي غضون 20 يوماً، سيفعل الشعب التركي ما فعله الشعب المجري: الإصرار على طريق الاستقلال التام، وقد جعلت إدارة أردوغان هذا المفهوم النبيل نموذجاً قابل التحقيق بالفعل من خلال اتخاذ خطوات ملموسة في مجالات الطاقة والتكنولوجيا الفائقة والسيارات والدفاع، إضافةً إلى الاستقلال المالي عن نير صندوق النقد الدولي وأدوات الإمبريالية الدولية الأخرى. كما صرخ أردوغان في وجه أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذين يبقون العالم تحت هيمنتهم: "العالم أكبر من خمسة". ولم تعد تركيا تلك الدولة التي كانت عليها في السابق والتي يمكن للولايات المتحدة ومن ثم رؤساء الاتحاد الأوروبي دفعها وتحريكها بعد الآن. إذ سرعان ما أصبحت البلاد صانعة الألعاب بل ومغيرة جوهر الأحداث في منطقتها، وفتحت سفارات وقنصليات في جميع أنحاء العالم خلال 20 عاماً أكثر مما فتحت منذ تأسيسها، ووقع رئيسها على اتفاقيات ومعاهدات مع دول أخرى خلال 20 عاماً أكثر مما وقع جميع أسلافه مجتمعين.
وقد يستمر بايدن في التخمين بأن "أردوغان طرد الأكراد في تركيا من العملية السياسية"، وقد يستمر رفاقه في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومجلس العلاقات الخارجية الأمريكية فيما يفعلون، على أمل أن يسود تنظيم بي كي كي الإرهابي ويخلق كردستان مستقلة في سوريا بمساعدة القيادة المركزية الأمريكية. ولكن الحقيقة أن حكومة إقليم كردستان العراق والمجلس الوطني الكردي في سوريا مع هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي في سوريا، يتفقون مع تركيا على أهمية وحدة أراضي العراق وسوريا للأكراد والعرب على حدٍ سواء، وتركيا هي الضامن الرئيسي لها. وعلى مدى سنوات، ظل الحزب الرئيسي في خيمة بايدن الكبرى، حزب الشعب الجمهوري، ينكر الحقوق العرقية الأساسية للشعب الكردي في تركيا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.
وبدءاً من تورغوت أوزال، وهو كردي الأصل والرئيس الثامن لتركيا من 1989 إلى 1993، سُمح بتدريس اللغة الكردية رسمياً والتحدث بها في المكاتب الحكومية في البلاد. وعلاوة على ذلك، أنشأت هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية بتوجيه من أردوغان، برامج إذاعية وتلفزيونية كردية يومية. وبالرغم من تهديدات بي كي كي الإرهابي، ازدهرت السياسات المحلية في المناطق الكردية في تركيا. وسيتم إنشاء العديد من الأحزاب السياسية، عندما يتم القضاء على الإرهاب. وكذلك، فإن عدد الجامعات في منطقة كردستان التركية يتزايد بسرعة، إذ يبلغ عدد الشباب الأكراد الذين يدرسون هناك حوالي 17.000 طالب موزعين في 5 ولايات.
من المؤكد أن الأكراد في تركيا لا يسعون إلى تبني الميثاق الأوروبي للحكم الذاتي المحلي كطريقة مخادعة لتركيا فيدرالية. ولا يبحث معظم الرجال والنساء عن تطبيق المساواة والحرية بين الجنسين المحددين اجتماعياً في الدولة. وفي غضون 20 يوماً قصيراً، ستنفجر كل تلك الفقاعات والأكاذيب حول الحقيقة في تركيا، وسيُحاصر بايدن ورفاقه تحت تلك الخيمة الاصطناعية التي أقاموها منذ تلك المقابلة سيئة السمعة في نيويورك تايمز.