هذه رسالة "شكر" قصيرة لفرق الإنقاذ، بعد أن ساعدتنا حوالي 102 دولة على استعادة قدرتنا على الصمود.
ومن المعروف أنه في كتب علم النفس، يقوم الخبراء بتعليم الآباء تشجيع أطفالهم على إيجاد قوتهم الداخلية من خلال مساعدة الآخرين، لأننا جميعنا بشر وقد نتعرض للسقوط أحياناً، ولكن علينا أن ننهض ونعاود المسير خطوة خطوة.
وخلال كارثة الزلزال بثت فينا الشاحنات المحملة بالمساعدات والطائرات المليئة بمواد الإغاثة، روح التصرف بشجاعة وأشعرتنا بالحماسة على النهوض مرة أخرى.
وفي اللغة التركية، هناك قول مأثور مفاده أن الصديق وقت الضيق. أما في حياتنا الشخصية، فنعتبر الصديق هو الشخص الذي نحبه كثيراً ونتشارك معه أوقات المسرات والأحزان، بالرغم من أنه ليس جزءاً من عائلتنا التي تفعل ذلك طوال الوقت. لذلك تحتاج بعض الصداقات إلى اختبار لمعرفة ما إذا كانت تستمر حتى في الأوقات الصعبة.
وفي تركيا المعرضة للزلازل على الدوام، لدينا قوانين ولوائح لإنشاء مبانٍ مقاومة للزلازل، فقد تعلمت الجمهورية الفتية الدرس قبل 84 عاماً حين ضرب زلزال أرزينجان عام 1939 شرق تركيا في 27 ديسمبر/ كانون الأول بقوة 7.8 درجة وقُتل آنذاك حوالي 33 ألف شخص وجُرح 100 ألف آخرين، ما دفع الحكومة إلى إصدار مراسيم قوانين وأنظمة تتعلق بشروط الإنشاء والبناء.
ومع كل هزة أرضية كبيرة وآلاف الضحايا، راحت لوائح البناء تتحسن في البلاد، إلى أن انتهى بنا المطاف بآليات رقابة وأنظمة تدقيق وصلاحيات للإشراف على تلك الأنظمة، مستقلة عن سلطات الترخيص وتخضع للإشراف الحكومي وتقارب في تفاصيلها تلك الموجودة في اليابان.
لكن الفرق الوحيد كان أن الناس في اليابان باستطاعتهم التشبث بأماكنهم بإحكام عندما يهز زلزال شدته 7.8 درجة مدنهم، بينما كان علينا أن نستخرج مواطنينا من تحت جبال الأنقاض.
باختصار، ليس من الضروري أن يتحول كل زلزال قوي إلى كارثة وطنية، لكن الأمر كان مختلفاً بالنسبة لتركيا، لأننا لم نؤمن تماماً بحقيقة أن بلدنا هو أيضاً بلد معرض للزلازل.
قبل أسبوعين فقط، كنا ننظر لأنفسنا كمواطنين في بلد غني إلى حد ما ويحظى باحترام كبير في المنطقة. وما يصعب قبوله اليوم هو حقيقة أنه بالرغم من كل الإصلاحات والتحديثات والتحسينات في قوانين البناء، فإن الهزة التي لا تسبب كارثة كبيرة في بلد كاليابان، فيما لا تزال تنشر كل هذا الدمار والفوضى في تركيا.
وبالرغم من إقرارنا أن زلزالين كبيرين وقعا في فترة زمنية مدتها 9 ساعات، وأن الأتراك وأصدقاءهم تمكنوا من جمع 7 مليارات دولار في حملة ضخمة لجمع التبرعات للناجين من الزلزال في وقت قصير جداً، إلا أن ذلك الحدث لا ينبغي أن يتحول إلى كارثة القرن ولا أن يتضاعف عدد القتلى بعد اكتمال عمليات الإنقاذ، ولا أن تصبح ما يقرب من مليون أسرة بلا مأوى، ولا أن تقوم الجامعات من أجل توفير السكن لهم، بمواصلة التعليم عن طريق الإنترنت مع أن التعليم عن بعد، لا يمكن أن يحل محل طرق التدريس وجهاً لوجه.
ويعبر إجراء الحكومة باستخدام المساكن الجامعية لإيواء الأسر المتضررة، عن الحاجة الملحة لإنشاء مليون منزل لأولئك الذين فقدوا مبانيهم في 11 ولاية معروفة بظروف الشتاء القاسية، كما أن نقل تلك العائلات بعد دفن أجزاء من قلوبهم في تلك البلدات المدمرة، إلى منشآت سكنية مؤقتة هو مهمة أخرى مرهقة وأحياناً يتعذر إدارتها.
ومع أن الجزء الصعب قد انتهى لكنني متأكد من أنه سيتم التعامل مع كل هذه المشاريع وإكمالها بطريقة ما. وقد هرع أصدقاؤنا الحقيقيون من 74 دولة حول العالم لمساعدتنا، وحفروا بين الأنقاض ونقلوا جبال الحطام وأنقذوا أكثر من 11 ألف شخص على قيد الحياة.
وبالرغم من عدم توفر العدد النهائي للوفيات، إلا أن وكالة إدارة الكوارث والطوارئ قالت إن 253 ألف عملية بحث وإنقاذ جرت في الميدان منها 7.098 عملية قامت بها الفرق الصديقة. لقد غيروا مصير آلاف الأشخاص وعائلاتهم وقاموا بتغيير المعايير المعروفة لطب الكوارث التي اقترحت أنه من المستحيل عملياً البقاء تحت الأنقاض بعد 72 ساعة. ومع ذلك تمكن ملائكة المساعدات من سحب الأمهات والأبناء والبنات والآباء حتى بعد 13 يوماً من الكارثة الأمر الذي عُرف باسم "معجزة الـ 296 ساعة" ولكن بالنسبة لهم كانت "حياة أخرى يجب إنقاذها".
لقد شاهدت خلال حياتي وقرأت عن عشرات الزلازل في تركيا، لكنني هذه المرة أرى شيئاً مختلفاً، إذ يريد الناس وضع حد لتلك الحلقة المفرغة، ولا يريدون التعايش مع فكرة أن الزلازل تولد كوارث بشرية وأنها تتسبب بالضرورة في تدمير المباني. لذلك يجب أن نبدأ على الفور في تنفيذ قوانين ولوائح البناء الحديثة وأن نفحص مبانينا بطريقة تجعلنا في مصاف تلك الدول التي لا تنهار مع كل اضطراب في الأرض.
مرة أخرى، أشكركم أيها الأصدقاء على تمكيننا من الوقوف على أقدامنا مرة أخرى، ولن ننسى الأيدي الكريمة التي مُدت إلينا.