زار الرئيس رجب طيب أردوغان المملكة العربية السعودية يوم الاثنين، في إطار جولته في دول الخليج التي شملت على مدار أربعة أيام، المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة وجمهورية شمال قبرص التركية، مع التركيز على الاستثمارات والعلاقات التجارية.
ويمكن القول إن رحلة أردوغان تتجاوز العلاقات الاقتصادية البحتة وتمثل بداية فصل جديد في علاقات تركيا مع منطقة الخليج.
فبعد أن حوّل طلب السويد بالانضمام إلى الناتو، إلى فرصة لإحياء علاقات تركيا مع الغرب في قمة فيلنيوس الأسبوع الماضي، غامر الزعيم التركي بما هو أبعد من التطبيع مع دول الخليج. وتعمل إدارته التي أنهت التوترات مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على مدى العامين الماضيين، على تعزيز التعاون الإقليمي متعدد الجوانب.
ووصف أردوغان متحدثاً للإعلام في مطار أتاتورك بإسطنبول، إطار هذه المبادرة على النحو التالي: "الأزمات المستمرة في العالم الإسلامي تستدعي التشاور الوثيق والتعاون مع الخليج". وعلاوةً على ذلك، ربط خطته لتعزيز علاقات تركيا مع دول الخليج بـ "خلق حزام سلام واستقرار ورفاهية" في جميع أنحاء البلاد كجزء من رؤيته لـ "تعزيز المحور التركي" والتي ظهرت في بيانه الانتخابي لعام 2023. وبالطبع فإن هذا النهج يتجاوز التجارة الثنائية بل ويفتح خيارات واسعة من الصفقات، بما في ذلك الاستثمارات المتبادلة والتعاون الدفاعي والأمن القومي والتضامن في مواجهة المشاكل الإقليمية والعالمية.
والسؤال الهام هنا هو: كيف تنحّي الدول المعنية التوترات جانباً لمتابعة التطبيع، وبالتالي التعاون متنوع الأبعاد؟
مما لا شك فيه أن قرار تركيا باتخاذ خطوات جريئة في تعاملاتها مع دول الخليج يعكس تطور النظام الدولي الذي شجع جميع الأطراف المعنية على السعي إلى التطبيع. وقد دفع التراجع الجزئي لواشنطن عن الشرق الأوسط وجهود إدارة جو بايدن لإعادة تموضع الولايات المتحدة في تلك المنطقة، القوى الإقليمية التي لا تستطيع هزيمة بعضها، لتطبيع علاقاتها.
كما سهّلت الحرب الروسية الأوكرانية على دول المنطقة السعي وراء الحكم الذاتي في السياسة الخارجية، من خلال تأجيج المنافسة بين الغرب وروسيا. وغني عن البيان أن تركيا اغتنمت هذه الفرصة بشكل أكثر فعالية.
دور تركيا الرئيسي في الساحة الدولية
أثرت دبلوماسية أردوغان وسعي تركيا للحصول على الحكم الذاتي الاستراتيجي في أعقاب محاولة الانقلاب في 15 يوليو/تموز 2016 على الأنشطة الحالية للبلاد. ومن خلال اتخاذ خطوات معينة في سوريا وليبيا وشرق البحر المتوسط، أظهرت الحكومة التركية استعدادها للمخاطرة بالتوترات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض دول الخليج إذا لزم الأمر.
في الوقت نفسه، أثبتت قدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة والخروج من سياسات الكتلة وممارسة القوة الصلبة بنجاح. ولعبت تركيا على وجه التحديد، دوراً رئيسياً في كسر حصار قطر وانتصار أذربيجان في قره باغ، مسلّطةً الضوء على أهمية التعاون معها، لأصحاب المصلحة الآخرين وحتى منافسيها.
وكانت هذه التطورات أيضاً بمثابة تذكير لدول الخليج أن أنقرة موضع آمن للثقة بها كصديقٍ وحليف. وبهذه الطريقة تمكنت البلاد من تعزيز التطبيع وسط التوترات وشرعت في متابعة التعاون متعدد المستويات.
وهذه هي بالضبط النقطة التي يفوّتها النقاد الذين يسألون لماذا عانت الحكومة التركية من التوترات مع الدول المعنية، إذا كانت ستصلح علاقاتها معهم.
لا شك في أن إحياء العلاقات التركية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في قمة فيلنيوس سيساهم في جهود تركيا لنقل علاقاتها مع دول الخليج إلى المستوى التالي. ولن تقتصر هذه المساهمة على الاستثمارات في مجموعة من القطاعات، بما في ذلك الطاقة والدفاع.
ويعتزم الرئيس أردوغان على مدى السنوات الخمس المقبلة، اتخاذ خطواتٍ إضافيةً في آسيا الوسطى والقوقاز والخليج وأفريقيا، لتحويل تركيا إلى أكبر مساهم في العالم في التعاون الدولي والاستقرار والأمن. ولن يفاجأ أحد إذا أثبتت دول الخليج نجاحها أكثر من الغرب في تقدير واقع تركيا الجديدة بالكامل، واغتنام الفرص ذات الصلة.
ومن المهم أن نتذكر أن القوى الإقليمية قدّرت سياسة أردوغان المتمثلة في الحكم الذاتي والحياد النشط خلال حرب أوكرانيا، واعتبرتها قدوةً في ذلك. وبطبيعة الحال، ستكون هناك بعض التحديات التي يجب التغلب عليها حيث يسعى الدبلوماسيون الأتراك إلى إدارة المنافسات المختلفة بين دول الخليج المتعددة، وتعزيز مناخ التعاون الإقليمي. ومن المستحيل أن يفوتنا أن وزير الخارجية هاكان فيدان، الرجل الذي يقف وراء جهود تركيا للتطبيع، بدأ بتنفيذ هذه المهمة دون تردد.