مع اقتراب انتخابات عام 2023، بدأت الأحزاب السياسية التركية في إظهار اختلافات الرؤى والتنافس حول المستقبل، وأنا أجد هذه المنافسة حقاً قيّمة أكثر من الإهانات والاتهامات.
وقد كشف الرئيس رجب طيب أردوغان عن رؤيته المكونة من 16 نقطة لـ "عصر تركيا" في 28 أكتوبر/ تشرين الأول، وهو مستمر بحضور مراسم الافتتاح لمشاريع متنوعة وينفذ سياسات جديدة في هذا الإطار.
وبعد شهر واحد بالضبط، كشفت كتلة المعارضة المعروفة باسم "طاولة الستة" النقاب عن اقتراح تعديل دستوري للنظام البرلماني "المعزز". وهذا الاقتراح الذي يعكس نية المعارضة للحكم كائتلاف، واجه انتقادات لتوصيته بانتخاب الرئيس ورئيس الوزراء شعبياً. وعلاوة على ذلك، لاحظت الجماعات المؤيدة للمعارضة أن الاقتراح يتجاهل حقوق النقابات عامةً والعمالية منها على وجه الخصوص.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، كشف رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال قليجدار أوغلو، عن خطة تطوير حزبه وكان قبل هذا الإعلان، رفع التوقعات من خلال الزعم أنه "سيكشف النقاب عن رؤية لإنهاء الأزمة إلى الأبد".
ووفقاً لتقارير وسائل الإعلام، فإن تلك الوثيقة التي أعدها حزب الشعب الجمهوري بمساعدة شخصيات دولية، تركز على الاقتصاد ككل، وكان الغرض منها هو شرح آمال المعارضة في معالجة مشاكل البلاد الملحة.
وأود هنا أن أحلل بإيجاز توقيت الإعلان وماهيته.
لقد واجهت المعارضة انتقادات لأكثر من عام لفشلها في تحديد مرشحها الرئاسي المشترك. ورفض زعماء المعارضة هذا الانتقاد، وأصروا على أنهم يفضلون الانتظار لمنع تشويه سمعة المرشح.
ومع ذلك، فإن المنافسة بين المرشحين المحتملين داخل حزب المعارضة الرئيسي وكذلك التوترات بين حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد أضرت بالمعارضة كثيراً. كما خسرت المعارضة الوقت بسبب تكهنات متفرقة حول قليجدار أوغلو ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو أو رئيس بلدية أنقرة منصور يواش. وعلى النقيض من ذلك، يواصل الرئيس أردوغان المرشح عن تحالف الشعب، الأداء الناجح على الساحة الدولية والتواصل مع الناخبين من خلال الكشف عن مشاريع الإسكان الاجتماعي وغيرها من التدابير للأسر ذات الدخل المنخفض.
ترشيح قليجدار أوغلو
ساد في الأيام الأخيرة اعتقاد بأن ترشيح قليجدار أوغلو أصبح أقل احتمالاً. وبكشفه عن وثيقة الرؤية بنفسه، اتخذ زعيم المعارضة الرئيسي خطوة جديدة يمكن أن تمنحه زمام المبادرة في السباق للحصول على التأييد وإمالة ميزان القوى داخل "طاولة الستة".
وبينما تركز "طاولة الستة" على التعديل الدستوري وجدول أعمال مشترك وخريطة طريق، كشفت قيادة حزب الشعب الجمهوري عن وثيقة رؤيتها الخاصة لفرض إيقاعٍ جديد على كتلة المعارضة. وبهذا المعنى، يفرض حزب المعارضة الرئيسي ورئيسه قليجدار أوغلو رؤيتهم على "طاولة الستة" تماماً كما فرضوا قليجدار أوغلو كمرشح رئاسي مشترك.
فهل ستكشف أحزاب المعارضة الستة عن وثائق رؤيتها الخاصة؟ وهل سيتبع الباقون خطى حزب الشعب الجمهوري لمواءمة جداول أعمالهم ووثائقهم الانتخابية وفقاً لذلك؟ وهل سيقبل حزب الجيد وحزب الديمقراطية والتقدم وحزب المستقبل الذي يضم أعضاءً واثقين من الأمور الاقتصادية، ببساطة رؤية حزب الشعب الجمهوري التي تمثل نتيجة جولات قليجدار أوغلو الدولية؟ وكيف سيردون على الانتقادات القائلة بأن رؤية حزب الشعب الجمهوري ترقى إلى "وصفة من قبل مستشارين مستوردين"؟
في الواقع، قال نائب رئيس حزب العدالة والتنمية نعمان قرطولمش: "يريد حزب الشعب الجمهوري المضي قدماً مع الاقتصاديين المستوردين لإعادة تطبيق نموذج كمال درويش في تركيا".
أما أعضاء "طاولة الستة" الذين يشكلون بقية المرشحين المحتملين، فإنهم يستعدون الآن لخوض المرحلة القادمة بوثائق رؤية مختلفة وربما متناقضة. وأعتقد أنهم سيحاولون الاتفاق على رؤية مشتركة في النهاية، إذ أنه من المعروف أنه يجب تزامن المرشح والرؤية للتواصل مع الناخبين. أما كتلة المعارضة التي طرحت على الشعب مسألة "الرؤى التنسيقية" على رأس ملف الترشيح، فتعرف بالتأكيد أن الانتخابات على مسافة 6 أشهر فقط، ما يجعلنا نتساءل إذا كانوا حقاً قادرين على مزامنة مرشحهم ورؤاهم للتواصل مع الناخبين.