تعكس أجندة الرئيس أردوغان مزيجاً من الاندماج والعودة للاجئين السوريين في تركيا، ضد خطاب كراهية الأجانب الذي تقترحه وتروج له أصوات المعارضة. ومن الواضح أن مسألة اللاجئين السوريين، التي ناقشتها تركيا بشكل مكثف خلال الأسابيع الأخيرة وحتى الآن، تتصدر مكانةً هامةً على جدول أعمال انتخابات العام المقبل، وذلك لما تتطلبه هذه القضية الحساسة من إيجاد طريقة لإدارتها والتعامل معها دون أن تختنق بمصالح قصيرة الأجل أو تنجر إلى العنصرية وكراهية الأجانب، أو تقوض ثقافة الأتراك الإنسانية الديمقراطية. ولتحقيق هذا الهدف، من الضروري أن تظل تركيا ملتزمةً بخطة عقلانية تتعامل مع الاندماج والعودة إلى الوطن معاً.
فبعد أن أعلن في وقت سابق عن نية إدارته "إعادة مليون سوري"، انتقد الرئيس رجب طيب أردوغان رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال قليجدار أوغلو في خطابٍ حديثٍ ألقاه أمام مجتمع الأعمال قال فيه: "السيد كمال، سنرعى إخواننا وأخواتنا الذين فروا من الحرب في سوريا ولجأوا إلى بلادنا. نحن هناك بغض النظر عما تقوله. لهذا نبني تلك المنازل في سوريا لأن المهاجرين قد يعودون إلى وطنهم متى شاءوا، لكننا لن نطردهم من هذه الأرض أبداً."
وفي الخطاب ذاته، تحدث أردوغان عن مشاريع إسكان جديدة داخل المناطق الآمنة والتآخي بين الضيوف والمضيفين.
تركيا تسهل العودة الطوعية للمهاجرين السوريين بعد أن سهّلت العودة الطوعية لنحو 500 ألف طالب لجوء سوري، تعهدت الحكومة التركية بإعادة مليون آخرين إلى الوطن، مع التأكيد على أنهم لن "يُلقى بهم في أحضان القتلة". ومع ذلك، لا يبدو أن المعارضة ووسائل الإعلام التابعة لها تتعامل مع هذه الرسالة بشكل صحيح، بدعوى أن الرئيس قد غير رأيه. لكن الحقيقة أن نهج أردوغان يعكس مزيجاً من الاندماج والعودة إلى الوطن. وقد شدد على أن تركيا لن "تطرد" أو "ترحّل قسراً" أياً من اللاجئين السوريين، متعهداً بإعادتهم إلى وطنهم بطريقة "مشرفة" و "طوعية" من خلال "بناء أماكن سكنية" لهم في سوريا، ومركزاً على أن رعاية طالبي اللجوء الذين فروا من الحرب المجاورة واجب إنساني، وأن بناء منازل لهم في مناطق آمنة داخل سوريا وتسهيل عودتهم الطوعية، هو بدوره سياسة عملية.وفي المقابل، تبدو دعوات المعارضة للاجئين السوريين بـ "العودة إلى ديارهم على الفور" والتعهد بـ "التحدث مع بشار الأسد" ليست واقعية، لأن قيام المعارضة بقيادة الشعب التركي الذي يشتكي بحق من عبء اللاجئين، للمطالبة بالعودة الفورية إلى الوطن يؤدي إلى نفور طالبي اللجوء من الفكرة. كما يتطلب منع أعمال العنف ضد مجتمع اللاجئين، التحدث بخطاب عقلاني ومتوازن.
وعلى العكس من ذلك قد يؤدي سوء التصرف والخطاب المتهور إلى تسهيل ظهور الحركات المتطرفة التي تستهدف الأجانب. ولسوء الحظ، تكتظ وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الصحفية بعبارات تنطوي على عملية تنفير مفرطة.والواقع أن الأشخاص الذين لهم تأثير على الرأي العام ينبغي عليهم التصرف بحس سليم ومتوازن كيلا تواجه تركيا خطر العنف ضد المواطنين الأتراك والأجانب نتيجة طمع بعض السياسيين الشعبويين بتسجيل نقاطٍ سياسية.بيانات عن اللاجئين في تركيايشير النقاش العام تحت مسمى قضية اللاجئين إلى تواجد أجنبي متعدد الأبعاد يشمل طالبي اللجوء وكذلك المهاجرين غير الشرعيين والمقيمين الشرعيين وحتى السياح.
فوفقاً لآخر إحصاء، هناك 5.4 مليون أجنبي يعيشون في تركيا. وحوالي 3.7 مليون من هؤلاء الأجانب هم من الرعايا السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة. وكذلك يوجد 320.000 فرد إضافي يسعون للحصول على الحماية الدولية. ومن بين هذه المجموعات، يُنظر إلى طالبي اللجوء والمهاجرين غير الشرعيين على أنهم قضايا إشكالية. وبهذا المعنى، تطبق تركيا سياسة حاسمة لحماية الحدود والإعادة إلى الوطن تجاه المهاجرين غير الشرعيين من أفغانستان وأماكن أخرى دون تقديم أي تنازلات في هذا المجال.أما فيما يتعلق باللاجئين السوريين، فقد وجدت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة البحوث السياسية والاقتصادية والاجتماعية أن أكثر من نصف طالبي اللجوء لا يعتقدون أنهم سيعيشون في تركيا بشكل دائم. إلا أن حوالي 64% من المشاركين صرحوا بأنهم غير مستعدين للعودة إلى سوريا في ظل استمرار قمع الأسد. وقال 78% منهم أنهم يرغبون في الذهاب إلى دولة ثالثة.وعلى تركيا أن تقبل بقاء بعض طالبي اللجوء فيها ضمن إطار سياسة الهجرة المتكاملة، ولذلك يجب على الحكومة التركية إدارة الاندماج والعودة إلى الوطن في وقت واحد.
ومن هنا جاءت إشارات أردوغان العرضية إلى "العودة إلى الوطن" والتشديد على "رعاية إخواننا وأخواتنا السوريين" في محاولة للحفاظ على السلم الاجتماعي والأمن في الوطن. وفي المقابل، يروج حزب الشعب الجمهوري الأكاذيب، ويدعي زوراً وبهتاناً أن طالبي اللجوء سيصوتون في انتخابات العام المقبل، منخرطاً في نزعة شعبوية خطيرة، في الوقت الذي يُتوقع منه كحزبٍ ديمقراطي اجتماعي أن يقدم مقترحات معقولة وإنسانية، بما في ذلك الاندماج، لا أن يمهّد الطريق للعنصرية.
