حظي مجتمع اللاجئين السوريين ومسألة الهجرة غير الشرعية باهتمام متجدد في الأسابيع الأخيرة. وتتفق الحكومة والمعارضة بشكل أساسي على ضرورة العمل على قضية المهاجرين غير الشرعيين من أفغانستان وباكستان وإيران والعراق وبعض الدول الأفريقية من ناحية الدفاع عن حدود الأمة ومنع الهجرة غير الشرعية. وفي الواقع، أعلن المسؤولون الحكوميون أن السلطات قامت بترحيل مهاجرين غير شرعيين وأنه في حالة عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة، يمكن أن يصل عدد من تستضيفهم تركيا إلى 10 ملايين مهاجر غير شرعي اليوم. ومن المستحيل على تركيا أن تضع حلاً دائماً للمشكلة نظراً لموقعها الجغرافي وتحولها الأخير من بلد عبور إلى وجهة استقرار. بل على العكس تماماً، فإن البلاد مضطرة للتعامل مع الهجرة غير النظامية على المدى القصير والمتوسط والطويل.
لكن مسألة اللاجئين السوريين الذين وصل عددهم إلى ما يقارب 3.77 مليون نسمة حسب البيانات الرسمية، مختلفة بعض الشيء. فالموضوع بالتأكيد سيكون أحد أهم الملفات في انتخابات 2023 كما كان عام 2018. ولا يزال مستقبل السوريين الذين فروا من قمع نظام بشار الأسد وظلوا تحت الحماية المؤقتة في تركيا، يثير نقاشاً عاماً متعدد الأبعاد حول من يتحمل مسؤولية "سياسة الباب المفتوح" التي طبقتها تركيا في البداية ودور تركيا في الحرب السورية وطريقة وتوقيت عودة اللاجئين وتأثير المشاعر المعادية للاجئين على سياسات الحزب ومسألة كراهية الأجانب.
فماذا يقول المنتقدون من المعارضة؟
تنتقد المعارضة بشكل متكرر الاستجابة السياسية الأولية لحكومة حزب العدالة والتنمية للحرب السورية والمتمثلة على وجه التحديد بـ"سياسة الباب المفتوح" تجاه طالبي اللجوء. وبغض النظر عن الجانب الإنساني لهذه السياسة، يتهم المنتقدون حزب العدالة والتنمية بشيء أكثر جدية كما فعل رئيس حزب السعادة تيمال كرامولا أوغلو الذي وظف مزاعم حزب الشعب الجمهوري حين ادعى أن تركيا هي التي زعزعت استقرار سوريا. ومن الواضح أن هذا الادعاء يتجاهل حقيقة أن تركيا حاولت العمل مع الأسد في مارس/آذار وأغسطس /آب 2011. كما أنه تجاهل العنف الذي بدأ بعد أن اعتقل نظام الأسد عدداً من طلاب المدارس الابتدائية كتبوا شعارات مناهضة للحكومة على الجدران في مدينة درعا، مما أسفر عن استشهاد واحد منهم في المعتقل.
ولم تدعم تركيا المعارضة لفترة طويلة، بل قامت بحثّ الأسد على تنفيذ إصلاحات لتعزيز الأمن والاستقرار في سوريا. كما أبدت الحكومة التركية احترامها لوحدة أراضي سوريا لدرجة أنها لم تشن أية عمليات عبر الحدود حتى عام 2016، عندما سيطرت الجماعات الإرهابية مثل داعش وي ب ك/بي كا كا على أجزاء كبيرة من الأراضي. وبذلك يتضح أن حجة المعارضة بأن تركيا لم تكن لتستقبل هذا العدد الكبير من طالبي اللجوء لو لم تصطدم الحكومة بنظام الأسد، منفصلة عن الواقع وغير متوافقة مع الوضع الإنساني. وبالنظر إلى الماضي، يمكن للمرء أن يجادل بأنه كان من الأفضل لتركيا إنشاء مناطق آمنة بمعنى أوسع في ذلك الوقت. ومع ذلك، هناك حقيقة أخرى وهي أن جماعة غولن الإرهابية منعت هذه الخطوة.
فماذا عن سياسة حزب العدالة والتنمية تجاه سوريا؟
ليس من المستغرب أن ينتقد حزب الشعب الجمهوري وحزب جيد والحزب الاشتراكي سياسة حزب العدالة والتنمية في سوريا بما في ذلك معاملته لطالبي اللجوء، فقد اعتادوا على انتقاد كافة السياسات الأخرى التي اعتمدتها الحكومة على مدى العقدين الماضيين. ومع ذلك، فإن هذه القضية تمثل لهم مشكلة خطيرة، حيث لعب رئيسا حزب المستقبل وحزب الديمقراطية والتقدم، اللذان يجلسان حول المائدة المستديرة للمعارضة اليوم، أدواراً هامة في سياسة تركيا في سوريا في ذلك الوقت.
وسواء اتهم قادة المعارضة تركيا بالتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا أو تساءلوا عن سبب قبول البلاد لهذا العدد الكبير من طالبي اللجوء، فإن رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو ووزير الاقتصاد السابق علي باباجان، الذين هما مع المعارضة الآن، يمكنهما الإجابة على تلك الأسئلة بما لا يقل عن الإدارة الحالية.
وغني عن القول أن "طاولة الستة" الخاصة بالمعارضة ستجد صعوبة في وضع أجندة مشتركة. إذ من الغريب ألا يتساءل المرء كيف ينوي قادة المعارضة انتقاد حكومة حزب العدالة والتنمية دون تشويه سمعة شركائهم الحاليين. والواقع أن هذا التناقض لا يقتصر على الملف السوري بل يتعلق الأمر بالعديد من المجالات الأخرى، بما في ذلك مختلف قضايا السياسة الخارجية والخصخصة.
وحقيقة أن قيادة حزب الشعب الجمهوري التي كانت تتعهد بإعادة السوريين "على الفور" حال فوزها، بدأت تقول الآن إن العملية ستستغرق عامين، هي علامة على أنهم أصبحوا أكثر منطقية. ولا شك أن الحكومة والمعارضة تحتاجان إلى الاتفاق على سياسة مماثلة فيما يتعلق بهذه القضية الدائمة. كما أن الحكومة تتحدث عن "عودة" مجتمع اللاجئين منذ عام 2018. وتخدم سياسة إنشاء مناطق آمنة في سوريا التي يعود تاريخها إلى عام 2016، أجندة مكافحة الإرهاب وكذلك إعادة السوريين إلى أوطانهم. وتحتفظ تركيا حالياً بتواجد عسكري في محافظة إدلب السورية والمناطق الآمنة، حيث تُبقي قواتها حوالي 5 ملايين سوري داخل حدود بلادهم. وفي الوقت نفسه، عاد حوالي 500 ألف طالب لجوء طواعية من تركيا إلى سوريا.
وختاماً فإن مسألة طالبي اللجوء لا يمكن معالجتها إلا من خلال دمج سياسات "الانسجام" و"الإعادة إلى الوطن". بينما للأسف، يدعي البعض بشكل بعيد عن المنطق والفطرة السليمة، أن حزب العدالة والتنمية استخدم السوريين من أجل إنجاح "الهندسة الاجتماعية الإسلامية".