بالرغم من الانتقادات اللاذعة التي توجهها المعارضة التركية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، يواصل الحزب نهج المشاريع العملاقة والتوسع الاقتصادي بلا هوادة. ومع اقتراب موعد انتخابات 2023، لا يزال الوقت في صالح الحكومة التركية الحالية.
لقد سعى حزب العدالة والتنمية التركي على مر السنين إلى تحقيق هدفين أساسيين: أولهما التشديد على مواجهة نظام الوصاية والمتآمرين الساعين للانقلابات، وتنفيذ الإصلاحات وتعزيز الديمقراطية.
في الوقت نفسه، اتبعت الحركة سياسة الاستثمار والخدمة العامة لتحفيز التنمية الاقتصادية. وكان التزامها بهذا الدمج الفريد أحد العوامل الرئيسية التي ساهمت في نجاحها طوال السنوات الـ 19 الماضية.
فما هو موقع المشاريع العملاقة من سياسة الحزب الحاكم؟
لطالما تسبب التزام حزب العدالة والتنمية بالمشاريع العملاقة في إحداث موجات من النقد في تركيا، إذ يحب زعماء المعارضة على وجه الخصوص اختيار مشاريع الحكومة لنقدها وإسقاط كل أسباب الصعوبات عليها، وسرعان ما يتبادر إلى الذهن نقدهم لجسر السلطان ياووز سليم ونفق مرمراي ونفق أوراسيا وجسر عثمان غازي والطريق السريع بين إسطنبول وإزمير بالإضافة إلى مستشفيات المدينة ومطار إسطنبول.
ومؤخراً كان حفل وضع حجر الأساس لأول جسر فوق قناة إسطنبول أحدث مثال على هذا النوع من المشاريع، إذ وصف الرئيس رجب طيب أردوغان المشروع بأنه "فصل جديد في تاريخ التنمية الاقتصادية في تركيا".
كما أشاد في حديثه عن أهمية القناة الجديدة، بمن سبق من القادة الذين خدموا "قضية التنمية الوطنية" أمثال عدنان مندريس وسليمان ديميريل وتورغوت أوزال ونجم الدين أربكان.
وحث أردوغان الجميع على مراعاة رغبة تركيا في لعب دور أكثر نشاطاً في التجارة العالمية والمطالبة بحصة أكبر من ممرات النقل والخدمات اللوجستية. وتطرق إلى شرح العديد من الآثار الاستراتيجية لقناة إسطنبول التي يعتبرها المشروع المنقذ لمستقبل العاصمة الاقتصادية للبلاد.
لكن بعض المعلقين يعتقدون أن المشاريع العامة والعملاقة منها بخاصة التي يقوم بها حزب العدالة والتنمية لم تعد تثير إعجاب قاعدته الشعبية العريضة. وتحاول المعارضة بدورها إنشاء أجندة خاصة بها لانتخابات عام 2023 من خلال الادعاء بأن قناة إسطنبول "لا فائدة منها" و"مبالغ بها". والواقع أنهم يجادلون بأن الرئيس أردوغان لن يكون قادراً على إقناع مؤيديه بضرورة هذا المشروع.
من المؤكد أن الرئيس التركي قادر تماماً على حشد الدعم الشعبي لأفكاره ومشاريعه بعدما أثبت بالفعل هذا الأمر من خلال تسهيل الانتقال إلى النظام الرئاسي الذي يعد الحديث عنه أصعب بكثير من الحديث عن مشروع قناة إسطنبول العملاق.
ولذلك ينبغي على قادة المعارضة أن يكونوا مستعدين لاحتمال أن يأتي نقدهم بنتائج عكسية في نهاية المطاف، لأنهم يقومون فقط بمعارضة أي إجراء من جانب الحكومة معارضة قطعية مما يمنع اعتبارها بدائل جادة. ولا يثير كمال قليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي، إعجاب أحد بتهديده المستثمرين المحتملين والبنوك والحكومات الأجنبية. والسبب هو أن هذا النهج السلبي من السياسة قادر فقط على تكريس حزبه كأكبر حزب معارض ليس إلا.
كما أن حزب الشعب الجمهوري من خلال تبنيه معارضةً تامةً للاستثمار الجديد، يمنع الناخبين من رؤيته كحركة تدفع تركيا إلى الأمام. فضلاً عن الأداء الضعيف للحكومات المحلية التي تسيطر عليها المعارضة فيما يتعلق بالاستثمارات الجديدة والخدمات العامة. بل أنهم تراجعوا في مجال تقديم الخدمات الموجودة مسبقاً وباتت تمثل تحدياً بالنسبة لهم.
وبرأيي، هناك ارتباط وثيق بين مطالبة قادة المعارضة المستمرة بإجراء انتخابات مبكرة وهذه الحقيقة، وهم يريدون إجراء تصويت قريب لأنهم يعرفون أن الوقت ليس في صالحهم.
في الوقت نفسه، يُظهر الحزب الحاكم التزامه المستمر بالعدالة من خلال اتخاذ خطوات جديدة مثل حزمة الإصلاحات القضائية الرابعة. كما تعكس محاولة الحكومة لبدء نهج جديد في السياسة الخارجية، تصميمها على إدارة التوترات التي نشأت أثناء مسيرتها النضالية.
وهذه أربعة إجراءات متزامنة توضح تجذر سياسات حزب العدالة والتنمية في الاستثمار والخدمة العامة: المشاريع العملاقة التي تجذب رؤوس الأموال الأجنبية، والاستثمارات في القطاعات الاستراتيجية مثل صناعة الدفاع، والاستثمارات في السياسة الاجتماعية مثل التعليم والرعاية الصحية، والمشاريع الصغيرة ذات الآثار الواقعية مثل دعم رواد الأعمال.
وهكذا نجد أن الاستثمار يمثل اليوم حجر الزاوية في السياسة التركية ولن يتغير موعد انتخابات 2023 إذ ستجري في غضون عامين بالضبط.
وستشهد تركيا مع انتهاء الوباء، انخفاضاً تدريجياً في المشاكل الاقتصادية. لكن الحكومة تحتاج في المستقبل إلى تقديم دعم إضافي لرواد الأعمال والمشاريع الصغيرة الذين يشكلون المكون الرابع لسياستها الاستثمارية.
وختاماً فإن من شأن تشجيع جيل الشباب المشهور بحرصه على إنشاء أعماله التجارية الخاصة، على ريادة الأعمال أن يكمل حملة التنمية الاقتصادية في تركيا.