شهدت الساحة الدولية مؤخراً نشاطاً تركياً كبيراً مع توجه الأنظار إلى قمة الناتو وترقب نتائج اجتماع الرئيس رجب طيب أردوغان مع رئيس الولايات المتحدة جو بايدن.
وقبيل انعقاد قمة الناتو، قام وفد رفيع المستوى برئاسة وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو بزيارة مفاجئة إلى طرابلس الليبية لعقد سلسلة من الاجتماعات الهامة، بعد أن طالب أصحاب المصلحة الأجانب المختلفين في ليبيا، غير الراضين عن الوجود العسكري التركي في البلاد، "جميع القوات الأجنبية" بالانسحاب. وكان من الضروري لحكومة الوفاق الوطني الليبية مقاومة مثل هذا الضغط قبل انعقاد قمة الناتو الأخيرة.
لذلك جاءت زيارة الوفد التركي بمثابة تذكير لجميع الأطراف ذات الصلة، بأن القوات التركية ليست عنصراً أجنبياً طالما لم يكن من الممكن أن تقوم حكومة انتقالية في البلاد أو ينعقد مؤتمر برلين الثاني دون تدخل أنقرة.
ولا يمكن بحال من الأحوال مقارنة القوات التركية التي حررت العاصمة الليبية من احتلال الانقلابي خليفة حفتر الوشيك، بمجموعة فاغنر الروسية أو المرتزقة من تشاد والسودان.
لقاء أردوغان وبايدن
كان لقاء الرئيس التركي مع نظيره الأمريكي في بروكسل بالغ الأهمية. كما أن بايدن لم يعقد اجتماعات ثنائية مع أي زعيم بارز في العاصمة البلجيكية باستثناء أردوغان. ما جعل افتتاحية صحيفة بلومبيرغ تبدو مجرد هراء فارغ بزعمها أن تركيا قد تخلت عن الغرب منذ فترة طويلة، ودعوتها بايدن إلى قطع العلاقات مع أنقرة في قمة الناتو.
بل على العكس من ذلك، أشارت لغة جسد الزعيمين وتصريحاتهما في القمة إلى أن المشاركة كانت إيجابيةً للغاية. وقد صرح الرئيس الأمريكي للصحفيين أنه أجرى محادثة "جيدة جداً" مع أردوغان بعد اجتماعهما الذي استمر 45 دقيقة.
تركيا والسياسة العالمية
من المعروف أن النظام العالمي الجديد يتطلب من الناتو والولايات المتحدة تعزيز علاقاتهما مع تركيا، ولا يمكن للخلافات أن تتحكم في مجالات التعاون بينهم مثل إدارة مطار كابول وقضية ليبيا، أو أن تكون لها الأسبقية على مجالات العمل المشترك.
هذا بالضبط ما حدث في بروكسل إذ بدا موقف بايدن في بلجيكا متماشياً مع دعوة أردوغان لـ "فتح فصل جديد" في العلاقات التركية الأمريكية، ما جعل أولئك الذين يتوقعون معركة بايدن وأردوغان يترقبون لقاء الرئيس الأمريكي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشغف.
من جانبه أوضح الرئيس التركي بجلاء أن الاجتماع الثنائي جرى في جو إيجابي قائلاً: "اتفقنا على استخدام قنوات الحوار بشكل فعال ومنتظم، كحليفين وكشريكين استراتيجيين. وأجرينا مناقشة مفيدة وصادقة للغاية. نحن نرى أن هناك إرادة قوية لإعلان بداية فترة فعالة من التعاون في جميع المجالات، تقوم على أساس الاحترام المتبادل والمصالح". وأضاف أنه "لا توجد مشكلة في علاقات تركيا والولايات المتحدة من النوع الذي لا حل له".
اجتماعات أردوغان الأخرى
وحول اجتماعات أردوغان الثنائية مع قادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليونان، فقد تركزت في مجملها على مجالات التعاون. كما بدأ الرئيس أردوغان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الحديث عن العمل معاً في كل من ليبيا وسوريا.
علاوة على ذلك، أشار البيان الختامي للقمة إلى الأزمة السورية وتضمن التزاماً بإجراءات تركيا الأمنية.
وبذلك يمكن اعتبار قمة بروكسل حدثاً عزز مكانة تركيا داخل التحالف الغربي.
زيارة شوشا ترمز إلى النصر والتحرير
بدورها، عكست رحلة أردوغان إلى شوشة التي تلت قمة الناتو مباشرة، الحقائق الجديدة للسياسة الخارجية التركية. وكنتُ ضمن الوفد الرسمي الذي سافر إلى أذربيجان هذا الأسبوع للاحتفال في العاصمة الثقافية لإقليم قره باغ بانتصار تحريره. ويمكنني التأكيد بأن تلك الزيارة تحولت على الفور إلى رمز للروابط الأخوية والمصير المشترك بين تركيا وأذربيجان.
وبعدما قدمه الرئيس التركي من مساهمات قيمة في تحرير شوشة، استحق بالفعل الانضمام إلى نظيره إلهام علييف في ذلك اليوم السعيد الذي أعلن فيه التحرير بعد 27 عاماً من الاحتلال الأرميني، تماماً كما منع أردوغان سقوط طرابلس، ما جعل إنشاء الحكومة الانتقالية الليبية أمراً ممكناً.
لقد باتت اتصالات تركيا الدبلوماسية في طرابلس وبروكسل وشوشة تعكس دورها العالمي والإقليمي الجديد بوضوح. لذلك تركز أنقرة من أجل المضي قدماً في هذا الدور الحيوي، على فرص التعاون في القوقاز وآسيا الوسطى في مسعىً منها لتعزيز الاستقرار والتجارة في المنطقة وليس تحركاً من جانبها ضد روسيا أو إيران.
وفي الختام لا بد من القول إن أردوغان يواصل ترسيخ التحركات الأخيرة في السياسة الخارجية لبلاده وإرساء قواعد الدبلوماسية الفاعلة، من خلال اجتماعاته على هامش قمة الناتو ورحلته إلى شوشة.