تراجعت التوترات الأخيرة حول منطقة دونباس الأوكرانية بعد مكالمة هاتفية بين الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولا يزال الجوار التركي يشهد موجة جديدة من النشاط الدبلوماسي المتصاعد.
ولتكوين فكرة أفضل عن المشهد الكامل هذه نقاط موجزة عن تلك التطورات.
فالولايات المتحدة توقفت عن دعم المملكة العربية السعودية في اليمن ومهدت الطريق للمحادثات النووية مع إيران. وهناك تكهنات بأن واشنطن قد ترفع العقوبات تدريجيا مقابل تعهد طهران بوقف تخصيب اليورانيوم. وهنا يجب ألا ننسى سلسلة الصفقات التي تم توقيعها خلال زيارة وزير الخارجية الصيني "وانغ يي" لإيران الشهر الماضي.
كما زار وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" القاهرة وطهران في وقت سابق من هذا الشهر. وتسعى موسكو جاهدة وهي التي أجرت مناورة بحرية مشتركة مع مصر في البحر الأسود في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لتعميق تعاونها مع القاهرة. وجاءت زيارة لافروف لطهران بمثابة تذكير لواشنطن بدور روسيا في العودة إلى الاتفاق النووي. وتشير تلك الزيارات التي أعقبت جولة محادثات مع دول الخليج، إلى نية موسكو لعب دور نشط في الشرق الأوسط الجديد.
وفي الوقت نفسه، تعمل تركيا على إصلاح علاقاتها مع مصر والإمارات العربية المتحدة. وإذا نجحت أنقرة والقاهرة بتوقيع اتفاق لترسيم الحدود البحرية على غرار الاتفاقية التركية الليبية، فسيتعاظم احتمال التعاون في مجال الطاقة مع إسرائيل أكثر. وبالرغم من تصريحات وزير الخارجية اليوناني الاستفزازية في العاصمة التركية، أعلن رئيس الوزراء "كيرياكوس ميتسوتاكيس" أنه سيلتقي بالرئيس رجب طيب أردوغان.
وفي الأسبوع الماضي فقط، أبرمت اليونان اتفاقية دفاعية بقيمة 1.6 مليار دولار مع إسرائيل. وفي الوقت نفسه، وافقت أثينا على تأجير السعودية نظام الدفاع باتريوت، لحمايتها من الصواريخ التي يطلقها المتمردون الحوثيون في اليمن. ولنتذكر أن الرياض نشرت طائراتها المقاتلة من طراز "إف-15 سي" في جزيرة كريت كجزء من مناورة عسكرية مشتركة مع اليونان.
في غضون ذلك، واصلت وكالة المخابرات الإسرائيلية اغتيالاتها داخل إيران، حتى على خلفية محادثات إيران والولايات المتحدة في فيينا. ومن المؤكد أن الاحتمال المتزايد لإعادة الاتفاق النووي يشجع الاتصالات بين السعودية وإيران.
وهذه بعض من أفكاري حول مستقبل الشرق الأوسط:
تقوم دول الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط والبحر الأسود بمراقبة العلاقات بينها عن كثب وتتخذ قرارات جديدة بشأن بعض القضايا اعتماداً على توازن القوى المتغير. وقد فشلت محاولة السعودية والإمارات في إنشاء نظام إقليمي جديد خلال رئاسة دونالد ترامب. كما أن الفراغ الجيوسياسي الذي نشأ عن انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط ، سيستمر تحت إشراف بايدن. وسيستمر في جذب القوى العالمية مثل الصين وروسيا إلى المنطقة.
أما بكين فستواصل الاعتماد على الاستثمارات الاقتصادية في محاولة لحماية شبكاتها التجارية الاستراتيجية. وتبحث موسكو بدورها عن طرق للتعامل مع الدول العربية بعد إيران، بصفتها أول دولة تخطر في البال عندما يتعلق الأمر بالأزمات والتسويات في المنطقة.
كذلك أجبر ضعف الكتلة المناهضة لإيران في الشرق الأوسط، دول الخليج وإسرائيل على بناء علاقات جديدة. في حين أن وقف التصعيد مع إيران يبدو أسهل بالنسبة للخليج، سيتعين على إسرائيل البحث عن شركاء جدد ضد طهران.
وفي هذا السياق يعتبر التقارب مع تركيا أولوية قصوى لدول الخليج وإسرائيل على حد سواء. إذ تحتاج دول الخليج إلى قوى ثقيلة مثل تركيا وإسرائيل لتحدي النفوذ الإيراني.
ومن المتوقع أن تعطي الولايات المتحدة الأولوية للاتفاق النووي مع إيران على معالجة مشكلة الميليشيات الشيعية والصواريخ الباليستية التي سيتم التعامل معها بمرور الوقت. ومن المرجح أن يزعج هذا التطور إسرائيل، لأن موازنة كفة إيران التي ستحرر نفسها من العقوبات وتصبح أكثر طموحاً وانطلاقاً، سبب وجيه كافٍ لتل أبيب لإصلاح علاقاتها مع أنقرة.
ويشير التركيز الأخير على الميليشيات الشيعية في سوريا والعراق، إلى جانب علاقات إيران مع تنظيم بي كا كا الإرهابي، إلى رغبة البعض في حدوث مواجهة أو تصاعد التوترات بين تركيا وإيران، الأمر الذي سيصب في مصلحة تل أبيب.
وقد تبدأ اليونان محادثات مع تركيا بسبب الضغوط الأوروبية، لكنها تستكشف مجالات جديدة للتعاون مع إسرائيل ومصر والمملكة العربية السعودية.
ومن غير المرجح أن يؤدي النشاط الدبلوماسي المتزايد في الشرق الأوسط، الذي يشمل لاعبين متعددين يديرون قضايا مختلفة، إلى خلق توازن جديد ودائم في المدى المنظور. وبالرغم من ظهور الدبلوماسية في دائرة الضوء، إلا أن التوترات في هذا الجزء من العالم لن تنقص أو تتراجع.
أما تركيا التي استخدمت قوتها الخشنة بمهارة في مناطق الأزمات على مدى السنوات الخمس الماضية، فيمكنها أن تلعب دوراً رئيسياً حاسماً في الشرق الأوسط، إذ أن وقت الاعتماد على الدبلوماسية النشطة والمرنة قد حان بالفعل.