انهارت في ليبيا الأسبوع الماضي الجبهة الغربية للانقلابي خليفة حفتر، حين سيطرت حكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا على قاعدة "الوطية" الجوية ذات الأهمية الاستراتيجية جنوب غرب طرابلس. في حين يوشك تحرير بلدة "ترهونة" التي تبعد 65 كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي من العاصمة، أن يكسر حصار طرابلس بشكل كامل.
ومنذ عام 2014 بدأت الحالة في قاعدة "الوطية" في طرابلس تتصاعد. ولذلك يمثل استيلاء الحكومة الليبية عليها انتصاراً رمزياً وفرصة جديدة لترجيح ميزان القوى العسكري.
كما يمثل تعهد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "ينس ستولتنبرغ" الأخير بدعم الحكومة في طرابلس، تغييراً دبلوماسياً كبيراً. وبالمثل، فإن تهديدات حفتر ضد العمليات التركية في ليبيا تكشف أهمية هزيمته في "الوطية" على مستقبل الصراع الليبي.
وللتمسك بـ"ترهونة" و"سرت" قد يصعّد خليفة حفتر من حدة العنف بعد خسارته على الجبهة الغربية، من خلال تنفيذ قصف جوي مكثف ربما. وقد يشجع إعلان وزير الداخلية الليبي "فتحي بشاغة" أن ثماني طائرات حربية روسية نُقلت من قاعدة "حميميم" السورية إلى الأراضي الليبية المحتلة، الحكومة الليبية على استخدام قاعدة "الوطية" الجوية التي تعدّ أهم منشأة عسكرية في شمال إفريقيا، بموجب اتفاقية التعاون العسكري مع تركيا.
فهل حان وقت الدبلوماسية؟
مع تغير ميزان القوى العسكري في ليبيا تعود الجهود الدبلوماسية إلى المقدمة، بدءاً من تصريحات الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، إلى دعوة مشتركة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لوقف التصعيد، مروراً بدعوة الإمارات العربية المتحدة لوقف إطلاق النار. كما يؤيد هذا الرأي اتفاق وزيري الخارجية التركي والروسي على الحاجة لإطلاق العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن حكومة الوفاق الوطني تشعر لأول مرة بالحاجة إلى السيطرة على جميع الأراضي الليبية كحكومة شرعية معترف بها من قبل الأمم المتحدة.
وبالرغم من التطورات الأخيرة، لا يعقل أن نتوقع من حفتر أن يستسلم ببساطة. كما لن تعلق قوات حكومة الوفاق الوطني عملياتها العسكرية ما لم تنسحب ميليشياته من جميع الأراضي التي احتلتها منذ أبريل 2019. بالإضافة إلى أن التقارير الإعلامية حول النوايا الروسية والمصرية لاستبدال حفتر، تهدف فقط إلى تأديبه لا أكثر. ورغم أن حفتر فقد جزءاً كبيراً من قوته الاعتبارية، حين لم يكترث حتى بالتوقيع على البيان الختامي لمؤتمر برلين في يناير، فإن دولاً مثل روسيا وفرنسا والإمارات ومصر من غير المحتمل أن تسحب دعمها له. ولا بد أن يتحرك رعاة حفتر مع تغير ميزان القوة العسكرية لصالح حكومة الوفاق الوطني، لتصعيد العنف أو الدعوة لإجراء محادثات دبلوماسية في محاولة للفوز على طاولة المفاوضات.
وسيكون لروسيا دوراً رئيسياً في هذه العملية لأن نظام الدفاع الجوي الذي ترعاه الإمارات العربية المتحدة ومرتزقة مجموعة "فاغنر" الروسية، أثبتوا أنهم غير قادرين على إيقاف القوات الحكومية الليبية. فهل ترغب موسكو في لعب دور أكبر في ليبيا بعد كل ما حدث في سوريا؟ وهل يتوقع أن يقوم الكرملين بنشر أسلحة أكثر تقدماً، مثل نظام الدفاع الجوي إس-300، أو حتى الحفاظ على وجود عسكري رسمي هناك؟ لا بد أن مثل هذه التحركات ستدق أجراس الإنذار في الولايات المتحدة وأوروبا. ولا بد من التوضيح أنه لا يوجد كيان في ليبيا يشبه نظام بشار الأسد في سوريا، ليقوم بتوجيه دعوة رسمية لروسيا.
كما أصبح من الواضح بالفعل أن الميليشيات السودانية أو التشادية أو السورية أو حتى مجموعة "فاغنر" غير قادرين على تحقيق أية نتائج. وفي الوقت نفسه، سيشجع انخفاض أسعار النفط، إلى جانب الفشل في بدء عملية سياسية في سوريا على الرغم من الدعم الروسي الهائل للأسد، روسيا على التوصل إلى تسوية تفاوضية مع تركيا بدلاً من مضاعفة الجهود لدعم انقلاب حفتر. ومن المرجح أن تفضل الحكومات الأوروبية العملية الدبلوماسية أيضاً نظراً لأنهم بالرغم من رغبتهم في احتواء حفتر، إلا أنهم لا يسعون للسماح لحكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا بالسيطرة على كل ليبيا. مع أن إيطاليا بدت سعيدة لأن تركيا تمكنت من فعل ما لم تستطع هي فعله، لكن فرنسا بقيت ملتزمة بدعم حملة حفتر الانقلابية. كما أن ألمانيا تدرك جيداً أن منجزات حكومة الوفاق الوطني ستسهل تنفيذ قرارات مؤتمر برلين، لكنها تخشى من نفوذ تركيا المتزايد على المفاوضات الليبية.
وفي كلتا الحالتين، يجب أن تستعد الحكومة التركية لتصعيد قوات حفتر. ولا يوجد أي سبب لافتراض أن العمليات العسكرية ستتوقف حتى لو تم استئناف المفاوضات في الدوائر الدبلوماسية. وعلينا أن ندرك أن الصراع الليبي قد دخل مرحلة جديدة وصعبة.