مع الانتقال إلى المرحلة الثانية في المعركة ضد كوفيد-19، والتي أطلق عليها وزير الصحة فخر الدين قوجة "الحياة الاجتماعية المنضبطة"، يتم إنشاء "قواعد الوضع الطبيعي الجديد" مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية حدوث موجة ثانية من العدوى.
وبما أن محاربة الفيروس هي عملية ديناميكية، وكما أشار الصحفي "أوكان مدرس أوغلو"، فإن الإجراءات التدريجية للتدابير المتخذة في هذا الشأن، هي عبارة عن مخططات تجريبية للعثور على الوضع الطبيعي الجديد المناسب. وتشبه هذه الاستراتيجية تلك التي اتبعت في ألمانيا والنمسا وهولندا ودول أوروبية أخرى.
من ناحية أخرى، قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التحرك بشكل أسرع نحو الوضع الطبيعي الجديد. وفي الوقت نفسه، بدا أداء تركيا أفضل بكثير من أداء الولايات المتحدة والدول الأوروبية في مكافحة الفيروس. كما أنها ضربت مثالاً في التعاون والتضامن من خلال إرسال المساعدات الطبية إلى 55 دولة أثناء أزمة تفشي الوباء.
ويترأس الشأن الاقتصادي جدول الأعمال في البلدان التي بدأت بتطبيق الوضع الطبيعي الجديد. مثلما هو الحال في بلادنا أيضاً، بالرغم من وجود اختلافات مهمة.
والوضع الطبيعي الجديد ليس واحداً في كل البلدان بالطبع. لكن لا يوجد في أي بلد معارضة مشتتة وتائهة كما هي المعارضة في تركيا. فخطاب المعارضة تضمن تذكيرات بالانقلابات السابقة، وخطابات نظام القصور، واتهامات بنظام الرجل الواحد في إشارة إلى انقلاب 12 سبتمبر 1980، كما استخدمت عبارة "لا مفر من سوء الحظ" في إشارة إلى إعدام رئيس الوزراء عدنان مندريس عام 1961 بالإضافة إلى مطالبات بإجراء انتخابات مبكرة.
وبعد فشل حملة المعارضة ذات الشعار "سنكون أسوأ من إيطاليا"، أطلقت حملة جديدة تحمل شعار "الانهيار الاقتصادي". إن الحجة القائلة "لقد أصبحنا أكثر استبدادية في زمن الفيروس" تثار بالتعاون مع وسائل إعلام غربية لتطغى على النجاح الذي حققته تركيا في مكافحة الوباء.
ومن المثير للاهتمام أن هذا "الاستبداد" لم يتم بأي حال من الأحوال، ومع ذلك هم يصرون على الحفاظ على هذا النهج الخطابي الذي امتد لعقد كامل ولكن بمفردات جديدة هذه المرة، قدمها لهم وجود الفيروس المستجد.
لقد أطلق حزب الشعب الجمهوري المعارض سيئ السمعة، خطاباته حول "نظام الرجل الواحد" في زمن الوباء على نطاق واسع ودون أية حدود. وراح رئيس حزب الشعب الجمهوري "كمال قليجدار أوغلو"، الذي من المفترض أن تكون لهجته أقل حدةً من نواب الحزب، يقوّض الحقائق من خلال استعاراته وتعليقاته المتطرفة، التي تغذيها معارضته للرئيس رجب طيب أردوغان، والتي تعكس نسخة فريدة من المرحلة الطبيعية الجديدة.
لقد حاول "قليجدار أوغلو" إخفاء رائحة الانقلاب التي عبرت عنها سلطات حزبه. ومع ذلك، أثارت ملاحظاته جدلاً واسعاً لدرجة أنني أتساءل من بإمكانه تمويه المعاني المقصودة منها. وهو من قال إن النجاح العام في مكافحة الفيروس يعود إلى جهود اللجنة العلمية، وأن "الفشل في توزيع الأقنعة" يعود إلى "نظام الرجل الواحد".
الملفت أن المعارضة في إيطاليا وبريطانيا وإسبانيا والولايات المتحدة لم تنتقد فشل دولهم في مكافحة الفيروس بشكل إبداعي وانتقائي مثلما فعل "قليجدار أوغلو".
لقد ادعى بأن حزب الشعب الجمهوري هو الحزب الذي عانى أكثر من الجميع بسبب كل الانقلابات. وهذه الحجة تتناقض مع واقع الحياة السياسية التركية بقدر يساوي قول "قليجدار أوغلو" لو قال إن رؤساء الوزراء السابقين مندريس وسليمان ديميريل ونجم الدين أربكان والرئيس أردوغان يستحقون الانقلاب عليهم.
ولو قال ذلك لكان على الأقل متسقاً مع نفسه ومع ماضي حزبه. إذ يعتقد أن حزب الشعب الجمهوري يمكنه تحت شعار احتضان الديمقراطية، بناء خطاب ديمقراطي جديد دون مواجهة تاريخه، الذي يظهر وصوله إلى السلطة نتيجة حكم الحزب الواحد والانقلابات.
وفي نفس الخطاب، اتهم "قليجدار أوغلو" الرئيس أردوغان الذي منع محاولة الانقلاب في 15 تموز 2016 ، بتنظيم انقلاب مدني في 20 من الشهر ذاته.
وبصرف النظر عن مقارنة النظام الرئاسي الذي وافق عليه تصويت الأمة بمتآمري الانقلاب، فإنه يرى أن مخططي الانقلاب أكثر "ديمقراطية"، بينما يصف أردوغان بأنه "ديكتاتور" ويواصل أعضاء حزبه التلميح إلى خطاب يشبه الانقلاب كل يوم. وهذا بحد ذاته شعور مريض بالديمقراطية.
كما أن الملاحظة التالية التي كتبها "قليجدار أوغلو" يجب ألا تمر دون أن يُسَلط الضوء عليها: "سوف يطلق أردوغان وجميع المؤسسات التي بناها حملة ضد حزب الشعب الجمهوري في الفترة المقبلة". بل يجب قراءة هذه الملاحظة بطريقة معكوسة.
حيث يستعد حزب الشعب الجمهوري كجزء من الحملة، لمعارضة شديدة للغاية هدفها هو إجبار تركيا على إجراء انتخابات مبكرة. إن لم يكن، كبح تقدمها السياسي والاقتصادي عن طريق إبقاء البلاد في جو دائم من الانتخابات المفاجئة.