أجرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مكالمة هاتفية مساء الاثنين، ليعلم تركيا بأن القوات الأمريكية ستغادر شمال شرق سوريا، المنطقة التي يعتزم الجيش التركي بدء عملياته العسكرية المرتقبة فيها. وأضاف ترامب أن الولايات المتحدة لن تدعم الحملة ولن توقفها. وأوضح أنه بقراره سحب قواته العسكرية إنما ينفذ فقط قرار العام الماضي بالانسحاب من سوريا وقال: "كان من المفترض أن تبقى الولايات المتحدة في سوريا لمدة 30 يوماً، كان ذلك منذ سنوات عديدة مضت. لقد استمر وجودنا وانخرطنا في معركة ليس لها هدف واضح... والآن حان الوقت لخروجنا من هذه الحروب السخيفة التي لا نهاية لها".
بعد إعلانه النصر على داعش، يسعى ترامب لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2020 كقائد أعاد قوات بلاده إلى الوطن. الواقع أنه أعلن انسحاب القوات الأمريكية العام الماضي، ثم أعطى أوامره للقادة العسكريين على الأرض بالتمديد لعدة فترات مدة كل منها ثلاثة أشهر. الأمر الذي شجّع البنتاغون على اللجوء إلى تكتيكات المماطلة وتصعيد التوترات مع تركيا.
لكن هذه المرة، يبدو أن الأمور تتسارع باتجاه إنهاء الوجود العسكري الأمريكي المستمر في سوريا. لنرى ما قد تفعله المؤسسات لوقف تنفيذ القرار.
بحسب ردود الفعل الأولية في واشنطن، سيحاول الكونغرس والقوى البيروقراطية الأمريكية منع تنفيذ قرار ترامب. وقد تمكن تنظيم "ي ب ك" بالفعل من إظهار الانسحاب الأمريكي في وسائل الإعلام الغربية على أنه تمكين لاحتلال تركي لسوريا وخيانة للأكراد. لكن ترامب، الذي تحتل المصالح الأمريكية عنده المقام الأول، لا يقر بأن "الأكراد" حلفاء مخلصين، بل أوضح فكرته اتجاههم بقوله: "لقد حارب الأكراد معنا، لكنهم حصلوا على أموال ضخمة ومعدات لقاء ذلك. إنهم يقاتلون تركيا على مدى عقود طويلة، وقد نأيت بنفسي عن تلك الحرب لمدة ثلاث سنوات تقريباً".
نظراً لأن الولايات المتحدة لا يمكن أن تستمر في حماية مقاتلي "ي ب ك" الإرهابيين للأبد، فقد فضّل ترامب الشراكة الإستراتيجية مع تركيا على المنفعة التكتيكية للجماعة الإرهابية. وبالتالي جعل انسحاب القوات الأمريكية التدريجي من سوريا أسهل بوجود التعاون التركي.
ليس سراً القول بأن قرار ترامب جاء نتيجة المواقف الحاسمة للرئيس أردوغان، بالإضافة إلى ثقل ميزان القوى السياسي الذي صنعه أردوغان في المشهد السوري. كما ساهمت علاقته الشخصية بالرئيس ترامب بشكل استثنائي في تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين. ويشهد رد فعل هيلاري كلينتون على قرار ترامب على هذه الحقيقة. فوزيرة الخارجية السابقة، تنظر إلى قرار ترامب على أنه خيانة للأكراد، وهي تصف تنظيم "ي ب ك" بأنه هو حليف واشنطن وليس تركيا. وبالمثل، اتهم "برايت ماكغورك"، الناطق الفعلي باسم القيادة المركزية الأمريكية، الرئيس الأمريكي باتخاذ "قرارات متهورة (...) تترك حلفاءنا مكشوفين". لكن ترامب يتفهم السبب الذي يجعل تركيا العضوة في حلف الناتو، تشعر بالتهديد من "ي ب ك"، كما أنه يعي بشكل كبير دعم أنقرة له في قضية سجناء داعش.
يعطي قرار ترامب أملاً واعداً بتحسين العلاقات الثنائية بين تركيا والولايات المتحدة. فترامب بتخليه عن دعم تنظيم "ي ب ك" الإرهابي وانسحابه من سوريا، يزيل تدريجياً أحد أهم أسباب التوتر وسوء العلاقات الثنائية. ولعل الرئيسان التركي والأمريكي يبدآن معاً فصلاً جديداً في العلاقات الثنائية، من خلال الاجتماع المزمع عقده في واشنطن، ربما في النصف الأول من الشهر المقبل.
أسئلة كثيرة لا تزال تلوح في الأفق، مثل التساؤل عن مدى نطاق الانسحاب الأمريكي؟ هل ستتحرك القوات الأمريكية على بعد 20 ميلاً جنوب الحدود التركية السورية، كما وعد ترامب؟ يبدو أن الانسحاب الأولي بدأ بين مناطق رأس العين وتل أبيض. وإذا اختار عناصر تنظيم "ي ب ك" القتال في المناطق التي أخلتها القوات الأمريكية، فسوف يمهدون الطريق لعملية عسكرية أكبر بكثير، ربما تصل إلى الرقة ودير الزور.
يتعين على السياسيين الأتراك أن يؤيدوا بكل قوتهم التحرك العسكري الوشيك. إذ تعتبر المعركة ضد تنظيم ي ب ك/بي كا كا أساساً لأمن البلاد القومي. إن فكرة ترجيح السلام على الحرب لا تعني شيئاً على الإطلاق عندما يتعلق الأمر بمواجهة التهديد الإرهابي.
لقد علق حزب الشعب الجمهوري المعارض حول قضية سجناء داعش، كرد فعل أولي من جهته بقوله: "تستخدم القوى العظمى تركيا كملقط، لاختيار الكستناء الساخنة من الفرن". ومع ذلك، فإن تركيا تعتبر الحرب ضد داعش هي أيضاً جزء من جهودها في مكافحة الإرهاب. وإذا كانت هزيمة إرهابيي داعش والقضاء عليهم هو الثمن الذي يتعين على تركيا دفعه، للقضاء على تهديد ي ب ك/بي كا كا دون إضعاف علاقاتها مع الولايات المتحدة، فليكن ذلك.
لقد بدأت تركيا باتخاذ خطواتها الأولية في شمال شرق سوريا. وسوف تُتبعها بخطوات أكبر.