أصبح من الواضح أكثر فأكثر أن العلاقة مع الولايات المتحدة ستهيمن على أجندة سياستنا الخارجية في السنوات القادمة. هذه المسألة لا تقتصر فقط على اتساع الصدع في العلاقات الثنائية خلال الفترة الأخيرة ولكنها تتعلق بالأساس بالحسابات الاستراتيجية المتغيرة لواشنطن وأنقرة. تمر سياسات هاتين العاصمتين في المنطقة المحيطة بتركيا، بمرحلة انتقال تدريجي. كل موضوع بعينه يتطور إلى سبب منفرد جديد للتوتر. ويبدو أن الخطوات الجديدة التي اتخذتها واشنطن لتقييد روسيا وإيران وتعزيز نفوذ إسرائيل في المنطقة ستؤثر على العلاقات الثنائية. فقد ظهرت مشاكل جديدة مثل القدس ومرتفعات الجولان وقضية شرق البحر المتوسط، في حين أن المشكلات الحالية مثل دعم ي ب ك/بي كا كا، و"خلق بنك"، وتنظيم غولن الارهابي لم يتم حلها بعد.
بطبيعة الحال، فإن أكثر القضايا سخونة في جدول الأعمال الحالي هي شراء نظام الدفاع الجوي الروسي إس-400 التي وصلت إلى نقطة حرجة. نهج الكونغرس الأمريكي تجاه تركيا واضح، إذ تُظهر مشاريع القوانين الثلاثة التي طرحها أعضاء مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي، الأجواء السائدة ضد تركيا. يجري حالياً التفاوض بشأن عدد كبير من القضايا السلبية التي تلحق الضرر بتركيا، مثل إمكانية فرض العقوبات والاعتراف بمزاعم الإبادة الجماعية للأرمن.
من الواضح أن الكونغرس يستعد لعرض مقاربة تستهدف الاقتصاد التركي وصناعة الدفاع. كما أنه أمر مشكوك فيه إلى حد كبير إذا كان الرئيس دونالد ترامب مستعداً، أو يتمتع بالكفاءة الكافية، لمنع هذا المسار السلبي. والواقع إن قضية إس-400 هي مجرد قمة جبل الجليد. فالولايات المتحدة منزعجة للغاية من تحسن العلاقات بين تركيا وروسيا. ومع أن موضوع تعاون تركيا مع روسيا في مجال الطاقة لم يتم الحديث عنه كثيراً في الوقت الحالي. لكن تجدر الإشارة إلى أن ألمانيا تواجه تهديد العقوبات الأمريكية بسبب تعاونها مع روسيا في مجالات الطاقة النووية والغاز الطبيعي. وكما هو معروف بالفعل، فإن قانون مكافحة أعداء أمريكا بالعقوبات (CAATSA) لا يقتصر على الصناعتن الدفاعية.
يجب أن نولي أهمية لاحتمال نشوء مشاكل في العلاقات بين الحليفين في الناتو بسبب العلاقات مع روسيا، دون أن ننسى أن العلاقات التركية الأمريكية قد توطدت إثر التهديد السوفييتي في نهاية الحرب العالمية الثانية.
يجب على الولايات المتحدة ألا تتخذ أي خطوات من شأنها تهميش أحد حلفاء الناتو لأن هذا لن يخدم سوى هدف روسيا في تقويض الناتو. من ناحية أخرى، يجب ألا تحاصر الولايات المتحدة حليفتها تركيا وتضعها في مأزق تفكير "إما الولايات المتحدة أو روسيا"، الأمر الذي من شأنه تعطيل العلاقات التركية الأمريكية بشكل لا رجعة فيه. لذلك، يجب إدارة التوتر الناجم عن صفقة إس-400 بفعالية ويجب تقديم حل مشترك على المدى القصير.
ونظراً لأن تركيا لا يمكنها التراجع عن الاتفاق النهائي، يجب إيجاد حل يتغلب على المخاوف الأمنية التقنية للولايات المتحدة. حتى لو تمت إدارة هذا التوتر بفعالية، فإن العلاقات بين واشنطن وأنقرة ستظل بحاجة إلى إعادة ضبط على المدى المتوسط والطويل. وبالتالي، يجب صياغة نهج جديد.
الواقع أن المشكلة الأساسية في العلاقات الثنائية هي حقيقة أن واشنطن لا تغير نهجها غير المتماثل تجاه أنقرة، وبالتالي لا يمكن التفاوض على القضايا بتفاهم مشترك بين الحلفاء، في حين أن المصالحة لم تتحقق بسبب فرضيات من جانب واحد.
لذلك، لا يمكن إحراز تقدم حتى في العديد من الجوانب المتفق عليها، مثل خريطة طريق منبج. نظراً لعدم حل هذه الموضوعات، فإن مجالات التعاون في قضية مثل إف-35 معرضة للخطر أيضاً. يجب تغيير طبيعة المناقشات لأن كلا الطرفين يدرك جيداً حقيقة أن العلاقات الحالية لا تشير إلى علاقات بين حليفين. فلا بد من إقامة العلاقات على أسس جديدة ومتعددة الأبعاد، ويجب ألا تشكل السلبيات التي حدثت حتى الآن عائقاً أمام التقييمات الإستراتيجية المشتركة الجديدة.
وتحقيقاً لهذه الغاية، يجب على الولايات المتحدة، أولاً وقبل كل شيء، أن تدرك حقيقة أنها إلى الآن تهمل مخاوف تركيا ومصالحها المتعلقة بالأمن إلى حد كبير. لا يجب أن تصل العلاقات بين واشنطن وأنقرة إلى أدنى نقطة قبل أن نبدأ في إصلاح الأسوار.